الفصاحة وإبعادا في مرامي البلاغة، وليس من البلاغة إن يقول القائل - إذا أراد أن يعلمنا انه أعطى زيدا تسعة دراهم -: أعطيت زيدا درهمين وثلاثة وأربعة، فيفرق العدد في مثل هذه الحال، لان قوله:
أعطيته تسعة دراهم، أخصر وأقصر، وهو بمذاهب البلغاء أشبه وأليق، وليس موضع هذا القول من مواضع الاسهاب والاطناب فيكون بسط الكلام فيه أبلغ وإطالته أشفى وأنقع، كما يقول في قوله تعالى في السورة التي يذكر فيها الحج: (من كان يظن أن لن ينصره الله في الدنيا والآخرة فليمدد بسبب إلى السماء ثم ليقطع فلينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ 15) والضمير في قوله تعالى: (أن لن ينصره الله) للنبي صلى الله عليه وآله، ومعنى ذلك على عامة قول المفسرين: أن من ظن من المشركين ان الله خاذل نبيه ومذل دينه فليقتل نفسه بحسرة ذلك، فلن يتحقق ظنه ابدا، وقوله تعالى: (فليمدد بسبب إلى السماء) السبب ههنا الحبل، والسماء ههنا سقف البيت الذي يحله، فكأنه تعالى قال: فليربط حبلا بسقف بيته وليختنق به إلى أن ينقطع الحبل من فرط تراجعه فيه وجذبه إياه، فلينظر هل يذهب ما يفعله بنفسه من ذلك ما غاظه من قوة أمر الرسول، ووري زناده، وارتفاع عماده [1]، ألا ترى إلى هذا الاسهاب في هذا المكان، كيف وقع موقعه، وأصاب غرضه! وقد كان تعالى قادرا على أن يقول: من كان يظن أن لن ينصر الله رسوله فليخنق نفسه غيظا، ولكن لما كان