والجهاد، ولم يرد تعالى بذلك أن هذا الاملاء ليس بخير جملة، وأنه ضرر ولا نفع فيه بتة، لان معنى خير في قول القائل: هذا خير لزيد، لا بد من أن يكون معناه في اللغة أنه خير لزيد من كذا، لان معناه في العربية هو أفعل، وكذلك لو قيل: هذا شر لزيد، كان يجب أن يكون شرا له من كذا، لان المراد به كالمراد بالأول، وإنما حذفت همزة افعل منه على سبيل الاستخفاف اصطلاحا على غير قياس، ومعناهما على الحقيقة إنما هو أنفع وأضر، فكما لا يجوز أن يقول القائل:
هذا أنفع لزيد، إلا والمراد به أنفع له من كذا، ولا هذا أضر لزيد إلا والمراد به أضر له من كذا، فكذلك أراد تعالى أن الاملاء ليس بخير لهم من أن يموتوا في الحرب شهداء، أي ليس بأنفع لهم من ذلك، فكما لو قال تعالى: (ليس بأنفع لهم من أن يموتوا في الحرب) لم يدل ذلك على أن الاملاء ليس بنفع، فكذلك لا يوجب ألا يكون هذا الاملاء خيرا، كما لا يوجب ألا يكون نفعا، وإن كان ليس بخير مما ذكرنا ولا أنفع، فإنه أيضا خير ونفع، لأنه من نعم الله عليهم وإحسانه إليهم، وقد يجب عليهم أن يشكروا الله سبحانه عليه، والشكر لا يجب إلا على نعمة، والنعمة لا بد من أن تكون خيرا ونفعا.
قال وإنما بين الله سبحانه بقوله: (إنما نملي لهم ليزدادوا إثما) المعنى الذي من أجله لم يكن الاملاء خيرا لهم من أن يموتوا، كما مات المؤمنون في الحرب، وهوانهم يزدادون عند إملاء الله سبحانه لهم إثما، فلذلك لم يكن الاملاء خيرا لهم من أن يموتوا في سبيل الله كما مات المؤمنون