أدلة العقل وقواعد العد ل. وهذا أصل من أصول الدين يجب العمل عليه والوقف عنده.
وكيف يجوز أن يتوهم العاقل انه سبحانه أعطى الكفار الصحة والسلامة والاملاء والإقامة، ليفتروا عليه ويكفروا به! وكيف يجوز أن يسخط عليهم بفعل ما خلقهم من أجله وحاشهم [1] إلى فعله، على قول الخصوم! أولا يستمعون إلى قوله تعالى: (إن الله يأمر بالعدل والاحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي...) [2]! والحكيم لا يأمر إلا بما يريده ولا ينهى إلا عما يكرهه، لان أمره بالشئ يدل على حسنه، ونهيه عن الشئ يكشف عن قبحه.
وبعد، فان ظاهر هذه الآية لا يدل على أنه تعالى أراد الكفر منهم، وإنما يدل على أنه أراد العقوبة لهم، لان ظاهر الخطاب ينبئ عن الجزاء لا عن نفس الفعل في العرف، ويؤيد ذلك ما يتصل به من قوله تعالى: (ولهم عذاب مهين)، ونحن لا نمنع من أن يريد تعالى عقوبتهم، وإنما نمنع من إرادته الكفر والمعاصي منهم، وهذه اللام وإن كانت ترد في كلامهم بمعنى كي، فإنها ترد أيضا بمعنى المصير والعاقبة، وليس حملها على الوجه الأول بأولى من حملها على الوجه الثاني، لا سيما إذا انضمت إليها القرائن التي تخصصها به وتحيزها