فالجواب: أن هذه الآية نزلت على سبب، كما جاءت به الرواية، وذلك أن النبي صلى الله عليه وآله ندب الناس ثاني يوم أحد إلى اتباع المشركين، تقوية لقلوب أصحابه، وتجلدا على أعدائه، وكان بالمسلمين من جوائح [1] الجراح ومواقع السلاح ما انتزع قواهم [2] وأثر في تماسكهم، حتى كان بعضهم يحمل بعضا عند خروجهم في هذا الوجه، ضعفا عن الاستمرار على المشي، والدوام على السعي، فلما ندب صلى الله عليه وآله الناس إلى الخروج قال المنافقون للمؤمنين - على طريق التهييب لهم والمكر بهم -: قد رأيتم ما لقيتم بالأمس من أعدائكم، وأنتم في باحات دياركم ومدارج أقدامكم، حتى لم يفلت منكم إلا الشريد ولم ينج منكم إلا القليل، أفتصحرون لهم اليوم وقد قل عددكم وضعف جلدكم وأسرع القتل في رجالكم!، فأوقع الشيطان قول المنافقين في قلوب بعض المؤمنين، فأنزل الله سبحانه (إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه) والمراد يخوفكم من أوليائه الذين هم المشركون، أو يخوفكم بكثرة عدتهم، وحدة شوكتهم.
وقد يجوز أن يكون المراد ههنا بالشيطان بعض الانس، لان هذا الاسم يقع على الجني والانسي جميعا، قال سبحانه: (شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض... الآية) [3].
ثم قال سبحانه: (فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين) أراد تعالى: