بالذكر، لان المعلوم من حاله أنه يخوف سائر من يتمكن من تخويفه، ولكن أولياءه لما اختصوا بالقبول منه صار ذلك خاصا لهم، لان من لا يتولاه إذا لم يقبل خديعته لم يسم خائفا منه.
فان قيل: فإذا كان المعنى على هذا التأويل المذكور خيرا، فما معنى قوله تعالى: (فلا تخافوهم وخافون ان كنتم مؤمنين)؟، وإنما كان ذلك خطابا مستقيما على التأويل الأول الذي معناه تخويف المؤمنين من المشركين!
ففي ذلك جوابان: أحدهما، أن يكون قوله تعالى (فلا تخافوهم) عائدا على القوم الذين بهم خوف الشيطان أولياءه وهم المشركون، لان الشيطان إنما يخوف المنافقين والضعفة من المسلمين بشدة شوكة المشركين وكثرة عددهم ووفور مددهم، ولا يكون مع هؤلاء القوم من قوة الدين واشتداد معاقد اليقين ما يعتصمون به من كيده، وينفون به خواطر وسوسته، بل يصغون إلى قوله ويضعفون في يده، ويكونون في ذلك بخلاف الصفة التي يكون المؤمنون عليها، كما ذكرنا أمام كلامنا هذا، فيصح حينئذ معنى قوله تعالى للمؤمنين: (فلا تخافوهم) إذا كان عائدا على المشركين.
والجواب: الآخر: أن يكون الشيطان ههنا بمعنى الجنس، أي:
لا تخافوا هذا القبيل من الجن، وهذا كقوله تعالى: (والعصر إن الانسان لفي خسر)، ثم استثنى سبحانه الذين آمنوا من الجملة، فقال: (إلا الذين آمنوا)، فدل على أن الانسان ههنا بمعنى الجمع.
فان قيل: فكان يجب أن يكون وجه الكلام على قولكم إنما