وعدم اختياره، لان المسلمين مجمعون على أن ما علم الله سبحانه أنه يفعله فهو فاعل له لا محالة، وليس يوجب ذلك أن يكون مضطرا ولا مضطهدا، وإن كان تعالى على ضد ما يعلم أنه يفعله قادرا، فقد بطل إذن ما ظنه السائل من القدح في قوله سبحانه: (لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم)، ولم يمتنع أن يكون الذين برزوا إلى مضاجعهم مختارين غير مضطرين، كما أن الله سبحانه مختار لإماتة عباده وبعثهم إلى معاده، وقادر على ضد ذلك فيهم، وإن كان سبحانه لابد أن يفعل الفناء والإماتة والبعث والإعادة، دون أضداد ذلك، وهذا مما لا يدفعه دافع ولا يجحده جاحد.
وقال بعضهم: الخطاب في ذلك للمنافقين، فكأنه سبحانه قال:
لو أخلدتم إلى لزوم بيوتكم فلم تخرجوا إلى عدوكم ونصر نبيكم، لبرز المؤمنون إلى نصره وترافدوا على منعه، ومعنى (برزوا) أي: خرجوا إلى البراز، وهو: الضاحي [1] من الأرض، اي: لأوصلتهم [2] الأسباب التي عنها يكون القتل إلى مضاجعهم.
فكان تلخيص الكلام أنه لو قعد عن القتال المنافقون، لخرج إليه وقام به المؤمنون، ولم يرد تعالى بقوله: (كتب عليهم القتل) - على هذا التأويل - معنى: فرض، وإنما أراد معنى: علم ذلك منهم، أو سبق اثباته في اللوح المحفوظ قبل وقوع القتل بهم، كما قال تعالى:
(ستكتب شهادتهم ويسألون) [3]، وكما قال تعالى: