لا تستكينوا لقولهم ولا تقعدوا عن القتال لتخويفهم، أي لا تكن منكم الامارات التي تدل على الخوف: من ظهور الفشل والاخلاد إلى العلل، إذ كان سبحانه قد وعدكم النصر عليهم والظفر بهم، ولم يرد تعالى نهيهم، عن الخوف الذي يرد على قلوبهم من قول المنافقين، لان ذلك مما لا يمكنهم الامتناع منه في أول وهلة إلا بعد زوال الشبه ومراجعة القوى والمنن، وإنما نهاهم تعالى عن إظهار شواهد الخوف ودلائل الروع وذلك في طاقتهم، كما نقوله في النهي عن البكاء على الميت أنه متوجه إلى النحيب والنشيج، لان الانسان متمكن من الامتناع من ذلك، فأما إرسال الدموع فلن يستطيع الامتناع منه، لأنه فعل الله تعالى فيه.
فعلم ما ذكرنا من نزول هذه الآية على سبب، يكون (عليه 1) تقدير الكلام: أن الشيطان يخوف المؤمنين بأوليائه الذين هم المشركون فلما أسقط الباء وصل الفعل إلى الأولياء فنصبهم، وعلى ذلك قول الشاعر:
وأيقنت التفرق يوم قالوا * تقسم مال أربد بالسهام أراد: وأيقنت بالتفرق. أو يكون تقدير الكلام: إنما ذلكم الشيطان يخوفكم أولياءه، فحذف المفعول الأول واكتفى بالثاني، كما يقول القائل: فلان يعطي الأموال ويكسو الثياب، والمعنى يعطي الناس الأموال ويكسوهم الثياب، فحذف ذلك لشهادة الحال به ودلالتها عليه، وعلى ذلك قوله تعالى: (لينذر بأسا شديدا من لدنه...) [2]،