فليس بدليل لهم على أن الرؤية هي النظر لان النظر لو كان بمعنى الرؤية لكان في قوله: (نظرت) دليل على أنه قد رأى، وكان قوله بعد ذلك: (فلم تنظر بعينيك منظرا) مناقضه، ولكن قوله:
(نظرت) الأول خارج على حقيقته، وهو تقليب الحدقة في جهة المرئي طلبا لرؤيته، وقوله: (فلم تنظر بعينيك منظرا) يحتمل وجهين:
أحدهما، أن يكون سمى الرؤية نظرا على طريق المجاز والاتساع، ولان النظر سببها وطريقها، فجاز أن تسمى باسمه، ولذلك نظائر كثيرة قد أشرنا إليها في عدة مواضع من هذا الكتاب. والوجه الآخر، أن يكون مخرج النظر على حقيقته أيضا، وأراد أنك قلبت طرفك فتعذر عليك تقليبه في جهة [1] المرئي، لغلبة الدمع على عينيك، فلم يصح لك النظر المفضي إلى الرؤية، وهذا على مثل قول الآخر [2]:
نظرت كأني من وراء زجاجة * إلى الدار من أعلام مية ناظر وقال بعضهم: معنى (فقد رأيتموه وأنتم تنظرون) أن ذلك كان قريبا منكم وبمرئى من عيونكم، لان النظر فيه معنى المقاربة، وكأنه تعالى قال: (فقد رأيتموه وأنتم تقربون منه)، ومثل ذلك قولهم:
دور بني فلان تتناظر، أي تتقابل وتتقارب، وهذا مذهب المبرد في هذه الآية.
وقال الأخفش: النظر ههنا بمعنى الرؤية، وأنما كرره تعالى توكيدا وتشديدا. قال: وذلك كقوله تعالى: (فإنها لا تعمى