قوله تعالى: (أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت) [1]، والمراد به الحض على التأمل والتدبر. و (النظر): تقليب الحدقة الصحيحة في جهة المرئي التماسا لرؤيته، وهو المراد في هذا الموضع، وكل راء ناظر، وليس كل ناظر رائيا، فكان حقيقته الطلب، لان الناظر يطلب الرؤية، والمفكر يطلب المعرفة، والناظر - بمعنى المنتظر - يطلب الشئ الذي ينتظره، ويعلق خوفه أو رجاه به. وأنشدنا شيخنا أبو الفتح عثمان بن جني عن أبي علي الفارسي قول ذي الرمة:
فيامي هل يجزي بكائي بمثله * مرارا وأنفاسي إليك الزوافر واني متى أشرف من الجانب الذي * به أنت من بين الجوانب ناظر قال: وكان يستشهد بهذا الشعر على أن الرؤية غير النظر، ويقول: لو كان النظر بمعنى الرؤية لم يطلب الشاعر عليه الجزاء، لان المحب لا يستثيب [2] على النظر إلى محبوبه ثوابا، ولا يستجزي عليه جزاء، إذا كان ذلك مراده ومناه وقصده ومغزاه، ألا ترى أنهم يتمنون رؤية أحبابهم ومسارقة النظر إلى أشجانهم [3]، ويشتاقون ذلك في أسجاعهم واشعارهم، لان فيه قضاء إربهم وبلال غللهم، وإنما يعبرون في اشعارهم بالنظر عن الرؤية، لأنه سببها ومقدمتها والرائد المطرق لها [4]، الا فالرؤية مقصدهم، واليها مرمى غرضهم،