وتلخيص ما ذكرناه: أن من أقبل على الدنيا بوجهه ونأى عن الآخرة بعطفه وكدح للدنيا جاهدا ولم يعمل للآخرة صالحا، جاز أن تقول فيه: إنه يريد عاجل الدنيا ومنافعها دون نعيم الآخرة ومنازلها، لا أنه أراد الدنيا على قصد، ولم يرد ثواب الآخرة على عمد، بل لو جمع له الأمران لكان أحب إليه وأجل موقعا عنده، ولكنه لما تشاغل بعمل الدنيا دون عمل الآخرة ساغ أن نصفه - على طريق الاتساع - بأنه يريد عاجل الدنيا دون آجل الآخرة، وهذا كقوله تعالى: (من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا. ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا) [1]، وكقوله تعالى: (من كان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والآخرة...) [2]، فظاهر ذلك يدل على أن من أراد ثواب الدنيا أي منافعها فقط، بعمل يعمله وجهاد يمارسه، لا نصيب له في الآخرة، وإنما يفوز بثواب الآخرة من جعل عمله خالصا طلبا للزلفة لديه والقربة إليه.
2 - وقال أبو علي: معنى ذلك: من أراد بجهاده الغنيمة نؤته منها، ومن أراد ثواب الآخرة وهو النعيم الدائم نؤته منه، وجعل سبحانه ذلك ترغيبا في طلب ثواب الآخرة وتزهيدا في طلب نعيم الدنيا. قال: وذلك لطف في المحافظة على الجهاد، لان من قصد