العادة بأنه يفعل الموت عند فقدها ونقضها، ولذلك جاز تمنيهم أن يميتهم الله تعالى في الجهاد، وذلك حسن، وإنما كان قبيحا لو تمنوا أن يقتلهم الكفار، لان ذلك في حكم تمني الكفر، فقبح من هذا الوجه، ولا يجوز للمؤمن أن يتمنى الكفر أو يريده أو يرضى به، كما أن رجلا لو تمنى ما فعله المشركون بالنبي صلى الله عليه وآله: من إدماء صفحته وكسر رباعيته، لكان مقدما على عظيم.
وإنما تمنوا الموت الذي هو من فعل الله تعالى، لكي يموتوا في الجهاد، فيكونوا إلى رضوان الله أقرب وبثوابه أسعد، وهذا تحريض للمؤمنين على الجهاد، وايسار لهم على الأعادي.
وكان سبب نزول هذه الآية أن قوما من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله - ممن لم يشهد بدرا - كانوا يتمنون يوما مثل يوم بدر يستدركون فيه ما فاتهم، من شرف المسعاة، وفضل الشهادة المبتغاة، فلما استنهضوا للجهاد في يوم أحد نكص بعضهم وفر بعضهم، فعاتبهم الله سبحانه على ذلك، وأثنى على الصابرين منهم والقائمين بجهاد عدوهم.
وقال بعضهم: إنما تمنى القوم مقدمات القتل، لا نفس القتل، لان القتل لا يجوز تمنيهم له على ما تقدم القول فيه، وكأنهم أنما تمنوا الأحوال التي تبلغ في عظم المشقة والخطر وشدة الخوف والوجل، إلى حال القتل ومعاينته، دون وقوع كنهه وحقيقته. وفي ما ذكرناه من الكلام على السؤالات الثلاثة مقنع بتوفيق الله تعالى.