إن المراد بذلك أن يفعل أسباب الذبح لا الذبح نفسه، كالاضجاع على الأرض، وأخذ المدية، والربط، وما في معنى ذلك، فيكون بسبيل الذابح، لان من عادتهم أن يسموا سبب الشئ باسمه، على الوجه الذي قدمنا ذكره.
ومما يقوي ذلك: (أن المراد بالذبح ههنا ما ذكرناه) قوله:
(اني أذبحك)، ولم يقل: اني ذبحتك، لان قوله: (اني أذبحك) يصلح للحال والاستقبال، حتى تدخل السين أو سوف عليه، فتخصصه للاستقبال، فيكون المعنى أني عازم على ذبحك وآخذ فيه ومريد له، بتعاطي الأسباب التي ذكرناها، فصح حينئذ أن يقول سبحانه - وإن لم يحقق إبراهيم الذبح -: (قد صدقت الرؤيا)، ولو قال: إني أرى أني ذبحتك، لم يكن مصدقا لذلك، حتى يوقع الذبح نفسه، فافهم الفصل بين الامرين فإنه واضح بين وجلي نير!.
ومثل ذلك قوله تعالى: (كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين...) [1]، وإنما أراد به تعالى: إذا حضرتكم أسباب الموت، ورأيتم أماراته، وأحسستم بمقدماته، لان المراد لو كان الموت نفسه لاستحال ان يقدر الانسان على الوصية، كما يستحيل من الميت الأمر والنهي والقول والفعل.
وقال بعضهم: يجوز أن يكون المراد بقوله: (فقد رأيتموه) أي:
علمتموه، كقول القائل: رأيت فلانا عاقلا، ورأيت فلانا جاهلا، أي: علمته على هذه الصفة، وقد يقول الأعمى: رأيت زيدا قويا