وقوعه كأنه قد كان، فعبر عنه بعبارة الكائن الواقع. والوجه الآخر، أن يكون أراد (ع) بذلك أنني تصورت بعلمي ورأيت بعين قلبي الجنة، فرأيت أكثر من فيها تلك صفتهم، فجعل يقينه لما يحدث عنه لتحققه له كالشئ الذي شاهده وباشره، لما قوي في علمه أن الامر يكون كذلك لا محالة.
ومعنى البله ههنا الغافلون عن أذى الناس والاضرار بهم، لا الناقصو العقول، كما يظن بعض الناس، وليس ذلك من صفات الذم، ولكنه من صفات المدح، وعلى ذلك قول الشاعر:
بعد غداني الشباب الأبله [1] اي: الغافل صاحبه عن مواقع الهموم، وطوارق الخطوب، فقد وضع البله ههنا موضع الثناء والمدح، لا موضع العيب والذم.
فان قال قائل: كيف رغب تعالى المكلفين في ذكر جنة ما خلقها، ولا أوجد جملتها. قيل: إن ذلك جائز سائغ لان خلق الجنة مقدور له تعالى، وهو متمكن منه، وقادر عليه، فمتى شاء أو جدها غير متعذر عليه إيجادها، ولا صعب قيادها، كما رغبهم تعالى في ثواب لم يوجده بعد، وحسن ذلك، لان وعده صادق وأمره واقع، وعلى أنه لولا السمع الوارد والدليل الواضح اللذين أشرنا إليهما، لكان يصح خلقه تعالى جنة الخلد قبل انقطاع التكليف، ولكن السمع منع من ذلك، وفي ما ذكرناه من الكلام على هذه المسألة كاف بتوفيق الله تعالى.