أي: جماعة هذه صفتهم.
* * * قال بعضهم: ومن آيات الحرم التي لا توجد في غيره أن الوحش والسباع إذا دخلته وصارت في حدوده لا يقتل بعضها بعضا، ولا يؤذي بعضها بعضا، ولا تصطاد فيه الكلاب والسباع سوانح الوحش التي جرت عادتها بالاصطياد لها، ولا تعدو عليها في ارض الحرم، كما تعدو عليها إذا صادفتها خارج الحرم، فهذه دلالة عظيمة وحجة بينة على أن الله تعالى هو الذي أبان هذا البيت وما حوله، بهذه الآية، من سائر بقاع الأرض، لأنه لا يقدر أن يجعل هذه البقعة التي ذكرناها، على ما وصفناه منها، وأن يحول بين السباع فيها وبين مجاري عاداتها، وحوافز [1] طبائعها وعمل النفوس السليطة [2] التي ركبت فيها، حتى تمتنع من مواقعة الفرائس، وقد أكثبت لها [3] وصارت أخذ أيديها، بل تأنس بأضدادها، وتأنس الأضداد بها - إلا الله سبحانه، لان هذا خارج عن مقدار قوى المخلوقين وتدابير المربوبين.
ومن الآيات التي خص الله تعالى هذا الموضع بها مقام إبراهيم (ع) في الصخرة، من حيث ألان الله سبحانه له أصلادها [4] بعد الصلابة، وخلخل اجزاءها بعد الكثافة، حتى أثرت قدمه فيها راسخة، وتغلغلت سائخة، كما يتغلغل في الأشياء الرخوة والأرض الخوارة [5]