قبل الله تعالى البلوى بالشدائد والفقر وإنزال الأمراض والموت إلى غير ذلك - فالمراد به اذن أمن مخصوص، وهو: دفاع الله عنه من يريد انتهاك حرمته وإخفار ذمته وإبطال ما خصه الله تعالى به من التعظيم لقدره و (الإشادة 1) بذكره (2)، إذ يقول عز من قائل: (ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم) (3) ومن قال: (إنه أمان عام للناس وغيرهم) فإنما جوز أن يدخل في صفة الامن به الوحش والطير أيضا، لان لفظة (من) إذا أريد بها ما يعقل وما لا يعقل صح أن يعبر بها عن الجنسين جميعا، إذا جاز دخولهما تحتها، كما ذكرنا في ما مضى من كلامنا (4)، وذلك قوله تعالى:
(والله خلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربع) [5]، فقال: (منهم) وهي عبارة عما يعقل، ثم قال: (يمشي على بطنه) و (على أربع)، وهما صفتان لما لا يعقل وقد أتى فيهما بمن، وإنما جاز ذلك لتغليب ما يعقل على ما لا يعقل عند الاشتراك في الصفات، فإنه سبحانه لما قال: (فمنهم) وهي كناية عما يعقل، جاز أن يعبر بمن عما لا يعقل، لوقوع الاشتراك.
وهذا يدلك أيضا على قوة غلبة صفات ما يعقل لصفات مالا يعقل في