(الفصل الثاني) في إبطال ما موه به المدعي من أن القرآن والخبر اشتملا على ما يوهم ظاهره ما تنزه الله تعالى عنه على قول المتكلمين فنقول: قال الله تعالى: (هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ) الآية دلت هذه الآية على أن من القرآن محكم ومنه متشابه والمتشابه قد أمر العبد برد تأويله إلى الله وإلى الراسخين في العلم فنقول بعد ذلك إنما لم تأت النبوة بالنص ظاهرا على المتشابه لأن جل مقصود النبوة هداية عموم الناس فلما كان الأكثر محكما وألجمت العامة عن الخوض في المتشابه حصل المقصود لولا أن يقيض الله تعالى لهم شيطانا يستهويهم ويهلكهم ولو أظهر المتشابه لضعفت عقول العالم عن إدراكه.
ومن فوائد المتشابه رفعة مراتب العلماء بعضهم على بعض كما قال تعالى: (وفوق كل ذي علم عليم " وتحصيل زيادة الأجور بالسعي في تفهمها وتفهيمها وتعلمها وتعليمها، وأيضا لو كان واضحا جليا مفهوما بذاته لما تعلم سائر العلوم بل هجرت بالكلية ووضح الكتاب بذاته، ولما احتيج إلى علم من العلوم المعينة على فهم كلامه تعالى ثم خوطب في المتشابه بما هو عظيم بالنسبة إليهم وإن كان في الأمر أعظم منه كما نبه عليه عبد العزيز الماجشون في القضية وكما قال تعالى في نعيم أهل الجنة: (في سدر مخضود وطلح منضود وظل ممدود وماء مسكوب) الآية فهذا عظيم عندهم وإن كان في الجنة ما هو أعظم منه كما قال صلى الله عليه وسلم حكاية عن الله عز وجل: " أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر " نسأل الله العظيم أن يجعل فيها قرارنا