في بادئ الرأي يضحك منه جهلة الزنج وإن كان أكبر منه انقسم فانظروا إلى هذه النحلة وما قد لزمها تعالى الله عنها.
(البرهان الرابع) المستفاد من جعفر بن نصير رحمه الله وهو أنه سئل عن قوله تعالى (الرحمن على العرش استوى) فقال استوى علمه بكل شئ فليس شئ أقرب إليه من شئ وتقرير هذا البرهان أن نسبة الجهات إليه على السوية فيمتنع أن يكون في الجهة وبيان أن نسبتها إليه على السوية أنه قد ثبت أن الجهة أمر وجودي فهي إن كانت قديمة مع الله لزم وجود قديمين متميزين بذاتيهما لأنهما إن لم يتميزا بذاتيهما، فالجهة هي الله تعالى والله هو الجهة تعالى الله عن ذلك وإن لم تكن قديمة فاختصاصه بها إما أن يكون لأن ذاته اقتضت ذلك فيلزم كون الذات فاعلة في الصفات النفسية أو غير ذاتية فنسبة الجهات إلى ذاته على السوية فمرجح جهة على جهة أمر خارج عن ذاته فلزم افتقاره في اختصاصه للجهة إلى غيره والاختصاص بالجهة هو عين التحيز والتحيز صفة قائمة بذات المتحيز فلزم افتقاره في صفة ذاته إلى غيره وهو على الله تعالى محال.
ثم اعلم أن هذه البراهين التي سردناها وتلقيناها من مشايخ الطريق فإنما استنبطناها من الكتاب العزيز ولكن ليس كل ما في الكتاب العزيز يعرفه كل أحد وكل يغترف بقدر إنائه وما نقصت قطرة من مائه ولقد كان السلف يستنبطون ما يقع من الحروب والغلبة من الكتاب العزيز ولقد استنبط ابن برجان رحمه الله من الكتاب العزيز فتح القدس على يد صلاح الدين في سنته واستنبط بعض المتأخرين من سورة الروم إشارة إلى حدوث ما كان بعد ثلاث وسبعين وستمائة ولقد استنبط كعب الأخبار رضي الله عنه من التوراة أن عبد الله بن قلابة يدخل إرم ذات العماد ولا يدخلها غيره وكان يستنبط منها ما يجري من الصحابة رضي الله عنهم وما يلاقيه أجناد الشام وذلك مشهور والله تعالى أنزل في كتابه ما يفهم أحد الخلق منه الكثير ولا يفهم الآخر منه ذلك، وقد تختلف المراتب في