استنباط الأحكام من كلام الفقهاء والمعاني من قصائد الشعراء فإما ما ورد في الكتاب العزيز مما ينفي الجهة فتعرفه الخاصة ولا تشمئز منه العامة فمن ذلك قوله تعالى (ليس كمثله شئ) ولو حصرته جهة لكان مثلا للمحصور في ذلك البعض وكذلك قوله تعالى: (هل تعلم له سميا) قال ابن عباس رضي الله عنه: هل تعلم له مثلا، ويفهم ذلك من القيوم وثناء المبالغة في أنه قائم بنفسه وما سواه قائم به فلو قام بالجهة لقام بغيره ويفهم من قوله تعالى المصور لأنه لو كان في جهة لتصور فإما أن يصور نفسه أو يصوره غيره وكلاهما محال ويفهم من قوله تعالى:
(ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية) ولو كان على العرش حقيقة لكان محمولا ويفهم من قوله تعالى: (كل شئ هالك إلا وجهه) والعرش شئ يهلك فلو كان سبحانه وتعالى لا في جهة ثم صار في جهة لوجد التغير وهو على الله محال والمدعي لما علم أن القرآن طافح بهذه الأشياء وبهذه الإشارات قال هذه الأشياء دلالتها كالإلغاز أوما علم المغرور أن أسرار العقائد التي لا تحملها عقول العوام لا تأتي إلا كذلك وأين في القرآن ما ينفي الجسمية إلا على سبيل الإلغاز وهل تفتخر الأذهان إلا في استنباط الخفيات كاستنباط الشافعي رضي الله عنه الاجماع من قوله تعالى: (ويتبع غير سبيل المؤمنين) وكاستنباط القياس من قوله تعالى: (فاعتبروا يا أولي الأبصار) وكاستنباط الشافعي خيار المجلس من نهيه صلى الله عليه وسلم عن البيع على بيع أخيه وزبدة المسألة أن العقائد لم يكلف النبي صلى الله عليه وسلم الجمهور منها إلا بلا إله إلا الله محمد رسول الله كما أجاب مالك الشافعي رضي الله عنهما ووكل الباقي إلى الله وما سمع منه ولا من أصحابه فيها شئ إلا كلمات معدودات فهذا الذي يخفي مثله ويلغز في إفادته.