غيرها ألا تراه كيف نص على إخراج أبى بكر وعمر في جيش أسامة ولم يخرجا لما رأيا أن في مقامهما مصلحة للدولة (1) وللملة وحفظا للبيضة ودفعا للفتنة وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله يخالف وهو حي في أمثال ذلك فلا ينكره لا يرى به بأسا ألست تعلم أنه نزل في غزاة بدر منزلا على أن يحارب قريشا فيه، فخالفته الأنصار وقالت له: ليس الرأي في نزولك هذا المنزل فاتركه، وانزل في منزل كذا، فرجع إلى آرائهم! وهو الذي قال للأنصار عام قدم إلى المدينة: (لا تؤبروا النخل)، فعملوا على قوله فحالت نخلهم في تلك السنة ولم تثمر حتى قال لهم: (أنتم أعرف بأمر دنياكم وأنا أعرف بأمر دينكم) وهو الذي أخذ الفداء من أسارى بدر فخالفه عمر، فرجع إلى تصويب رأيه بعد أن فات الامر وخلص الأسرى ورجعوا إلى مكة، وهو الذي أراد أن يصالح الأحزاب على ثلث تمر المدينة ليرجعوا عنه، فأتى سعد بن معاذ وسعد بن عبادة فخالفاه، فرجع إلى قولهما وقد كان قال لأبي هريرة: اخرج فناد في الناس (من قال لا إله إلا الله مخلصا بها قلبه دخل الجنة) فخرج أبو هريرة فأخبر عمر بذلك فدفعه في صدره، حتى وقع على الأرض، فقال:
لا تقلها، فإنك إن تقلها يتكلوا عليها، ويدعوا العمل فأخبر أبو هريرة رسول الله صلى الله عليه وآله بذلك، فقال: (لا تقلها وخلهم يعملون)، فرجع إلى قول عمر!
وقد أطبقت الصحابة إطباقا واحدا على ترك كثير من النصوص لما رأوا المصلحة في ذلك كإسقاطهم سهم ذوي القربى وإسقاط سهم المؤلفة قلوبهم وهذان الأمران أدخل في باب الدين منهما في باب الدنيا وقد عملوا بآرائهم أمورا لم يكن لها ذكر في الكتاب (2) والسنة، كحد الخمر فإنهم عملوه اجتهادا، ولم يحد رسول الله صلى الله عليه وآله شاربي الخمر وقد شربها الجم الغفير في زمانه بعد نزول آية التحريم ولقد كان أوصاهم في مرضه