والله لقد أرادك الحق ولكن أبى قومك، فقال: يا أبا، حفص خفض عليك من هنا ومن هنا (إن يوم الفصل كان ميقاتا) (1) فوضع عمر إحدى يديه على الأخرى وأطرق إلى الأرض، وخرج كأنما ينظر في رماد.
قلت: أجدر بهذا الخبر أن يكون موضوعا وفيه ما يدل على ذلك، من كون عمر أتى عليا يستفتيه في المسألة، والاخبار كثيرة بأنه ما زال يدعوه إلى منزلة وإلى المسجد، وأيضا فإن عليا لم يخاطب عمر منذ ولى الخلافة بالكنية وإنما كان يخاطبه بأمره المؤمنين هكذا تنطق كتب الحديث وكتب السير والتواريخ كلها.
وأيضا فإن هذا الخبر لم يسند إلى كتاب معين ولا إلى راو معين بل ذكر ذلك أنه قرأه على ظهر كتاب فيكون مجهولا، والحديث المجهول غير الصحيح.
فأما ثناء عمر على أمير المؤمنين فصحيح غير منكر وفى الروايات منه الكثير الواسع، ولكنا أنكرنا هذا الخبر بعينه خاصة وقد روى عن ابن عباس أيضا، قال:
دخلت على عمر يوما، فقال: يا بن العباس لقد، أجهد هذا الرجل نفسه في العبادة حتى نحلته، رياء. قلت: من هو؟ فقال: هذا ابن عمك - يعنى عليا - قلت: وما يقصد بالرياء أمير المؤمنين؟ قال يرشح نفسه بين الناس للخلافة، قلت: وما يصنع بالترشيح!
قد رشحه لها رسول الله صلى الله عليه وسلم فصرفت عنه. قال: إنه كان شابا حدثا فاستصغرت العرب سنه، وقد كمل الان، ألم تعلم أن الله تعالى لم يبعث نبيا إلا بعد الأربعين! قلت يا أمير المؤمنين، أما أهل الحجى والنهى فإنهم ما زالوا يعدونه كاملا منذ رفع الله منار الاسلام، ولكنهم يعدونه محروما مجدودا، فقال: أما إنه سيليها بعد هياط ومياط (2)، ثم تزل فيها قدمه ولا يقضى منها أربه، ولتكونن شاهدا ذلك يا عبد الله، ثم يتبين الصبح لذي عينين وتعلم العرب صحة رأى المهاجرين الأولين