شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ١٢ - الصفحة ٨٠
والله لقد أرادك الحق ولكن أبى قومك، فقال: يا أبا، حفص خفض عليك من هنا ومن هنا (إن يوم الفصل كان ميقاتا) (1) فوضع عمر إحدى يديه على الأخرى وأطرق إلى الأرض، وخرج كأنما ينظر في رماد.
قلت: أجدر بهذا الخبر أن يكون موضوعا وفيه ما يدل على ذلك، من كون عمر أتى عليا يستفتيه في المسألة، والاخبار كثيرة بأنه ما زال يدعوه إلى منزلة وإلى المسجد، وأيضا فإن عليا لم يخاطب عمر منذ ولى الخلافة بالكنية وإنما كان يخاطبه بأمره المؤمنين هكذا تنطق كتب الحديث وكتب السير والتواريخ كلها.
وأيضا فإن هذا الخبر لم يسند إلى كتاب معين ولا إلى راو معين بل ذكر ذلك أنه قرأه على ظهر كتاب فيكون مجهولا، والحديث المجهول غير الصحيح.
فأما ثناء عمر على أمير المؤمنين فصحيح غير منكر وفى الروايات منه الكثير الواسع، ولكنا أنكرنا هذا الخبر بعينه خاصة وقد روى عن ابن عباس أيضا، قال:
دخلت على عمر يوما، فقال: يا بن العباس لقد، أجهد هذا الرجل نفسه في العبادة حتى نحلته، رياء. قلت: من هو؟ فقال: هذا ابن عمك - يعنى عليا - قلت: وما يقصد بالرياء أمير المؤمنين؟ قال يرشح نفسه بين الناس للخلافة، قلت: وما يصنع بالترشيح!
قد رشحه لها رسول الله صلى الله عليه وسلم فصرفت عنه. قال: إنه كان شابا حدثا فاستصغرت العرب سنه، وقد كمل الان، ألم تعلم أن الله تعالى لم يبعث نبيا إلا بعد الأربعين! قلت يا أمير المؤمنين، أما أهل الحجى والنهى فإنهم ما زالوا يعدونه كاملا منذ رفع الله منار الاسلام، ولكنهم يعدونه محروما مجدودا، فقال: أما إنه سيليها بعد هياط ومياط (2)، ثم تزل فيها قدمه ولا يقضى منها أربه، ولتكونن شاهدا ذلك يا عبد الله، ثم يتبين الصبح لذي عينين وتعلم العرب صحة رأى المهاجرين الأولين

(1) سورة النبأ 17.
(2) في اللسان عن اللحياني: (الهياط: الاقبال، والمياط الادبار). وقال غيره: (الهياط:
اجماع الناس للصلح، والمياط: التفرق عن ذلك).
(٨٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 75 76 77 78 79 80 81 82 83 84 85 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 223 - من كلام له عليه السلام في شأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه 3
2 نكت من كلام عمر وسيرته وأخلاقه 6
3 خطب عمر الطوال 108
4 عود إلى ذكر سيرته وأخباره 112
5 نبذ من كلام عمر 116
6 أخبار عمر مع عمرو بن معد يكرب 118
7 فصل فيما نقل عن عمر من الكلمات الغريبة 120
8 ذكر الأحاديث الواردة في فضل عمر 177
9 ذكر ما ورد من الخبر عن إسلام عمر 182
10 تاريخ موت والأخبار الواردة بذلك 184
11 فصل في ذكر ما طعن به على عمر والجواب عنه 195
12 الطعن الأول: ما ذكروا عنه من قوله عندما علم بموت الرسول عليه السلام، والجواب عن ذلك 195
13 الطعن الثاني: ما ذكروا من أنه أمر برجم حامل حتى نبهه معاذ، والجواب عن ذلك 202
14 الطعن الثالث: ما ذكروا من خبر المجنونة التي أمر برجمها، والجواب عن ذلك 205
15 الطعن الرابع. ما ذكروه من أنه منع من المغالاة في صدقات النساء، والجواب عن ذلك 208
16 الطعن الخامس: ما ذكروه أنه كان يعطى من بيت المال مالا يجوز، والجواب عن ذلك 210
17 الطعن السادس: ما ذكروه أنه عطل حد الله في المغيرة بن شعبة، والجواب عن ذلك 227
18 الطعن السابع: ما ذكروه أنه كان يتلون في الأحكام، والجواب عن ذلك 246
19 الطعن الثامن: ما ذكروه من قوله في المتعة، والجواب عن ذلك 251
20 الطعن التاسع: ما روى عنه في قصة الشورى، وكونه خرج بها عن الاختيار والنص جميعا، والجواب عن ذلك 256
21 الطعن العاشر: ما ذكروه من قولهم: إنه أبدع في الدين مالا يجوز، والجواب عن ذلك 281