ومن جملة المطاعن انه أمر بضرب الأعناق ان تأخروا عن البيعة أكثر من ثلاثة أيام، ومعلوم انهم بذلك لا يستحقون القتل، لأنهم إذا كانوا إنما كلفوا ان يجتهدوا آراءهم في اختيار الإمام، فربما طال زمان الاجتهاد، وربما قصر بحسب ما يعرض فيه من العوارض، فأي معنى للامر بالقتل إذا تجاوزوا الأيام الثلاثة! ثم إنه أمر بقتل من يخالف الأربعة، ومن يخالف العدد الذي فيه عبد الرحمن، وكل ذلك مما لا يستحق به القتل.
فاما تضعيف أبى على لذكر القتل فليس بحجة، مع أن جميع من روى قصة الشورى روى ذلك، وقد روى الطبري [ذلك] (١) في تاريخه وغيره.
فاما تأوله الامر بالقتل على أن المراد به إذا تأخروا على طريق شق العصا، وطلب الامر من غير وجهه، فبعيد من الصواب، لأنه ليس في ظاهر الخبر ذلك، ولأنهم إذا شقوا العصا، وطلبوا الامر من غير وجهه من أول يوم، وجب ان يمنعوا ويقاتلوا، فأي معنى لضرب الأيام الثلاثة اجلا!
فاما تعلقه بالتهديد، فكيف يجوز ان يتهدد الانسان على فعل بما لا يستحقه: وان علم أنه لا يعزم عليه!
فاما قوله تعالى: ﴿لئن أشركت ليحبطن عملك﴾ (2) فيخالف ما ذكر، لان الشرك يستحق به إحباط الأعمال، وليس يستحق بالتأخير عن البيعة القتل.
فاما ادعاء صاحب الكتاب ان الجماعة دخلوا في الشورى على سبيل الرضا، وان عبد الرحمن اخذ عليهم العهد ان يرضوا بما يفعله، فمن قرأ قصة الشورى على وجهها، وعدل عما تسوله النفس من بناء الاخبار على المذاهب، علم أن الامر بخلاف ما ذكر.
وقد روى الطبري في تاريخه عن أشياخه من طرق مختلفة، ان أمير المؤمنين عليه السلام قال حين خرج من عند عمر بعد خطابه للجماعة بما تقدم ذكره لقوم كانوا معه من بني هاشم: إن طمع فيكم قومكم لم تؤمروا ابدا. وتلقاه العباس بن عبد المطلب