شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ١٢ - الصفحة ٢٦١
ومن جملة المطاعن انه أمر بضرب الأعناق ان تأخروا عن البيعة أكثر من ثلاثة أيام، ومعلوم انهم بذلك لا يستحقون القتل، لأنهم إذا كانوا إنما كلفوا ان يجتهدوا آراءهم في اختيار الإمام، فربما طال زمان الاجتهاد، وربما قصر بحسب ما يعرض فيه من العوارض، فأي معنى للامر بالقتل إذا تجاوزوا الأيام الثلاثة! ثم إنه أمر بقتل من يخالف الأربعة، ومن يخالف العدد الذي فيه عبد الرحمن، وكل ذلك مما لا يستحق به القتل.
فاما تضعيف أبى على لذكر القتل فليس بحجة، مع أن جميع من روى قصة الشورى روى ذلك، وقد روى الطبري [ذلك] (١) في تاريخه وغيره.
فاما تأوله الامر بالقتل على أن المراد به إذا تأخروا على طريق شق العصا، وطلب الامر من غير وجهه، فبعيد من الصواب، لأنه ليس في ظاهر الخبر ذلك، ولأنهم إذا شقوا العصا، وطلبوا الامر من غير وجهه من أول يوم، وجب ان يمنعوا ويقاتلوا، فأي معنى لضرب الأيام الثلاثة اجلا!
فاما تعلقه بالتهديد، فكيف يجوز ان يتهدد الانسان على فعل بما لا يستحقه: وان علم أنه لا يعزم عليه!
فاما قوله تعالى: ﴿لئن أشركت ليحبطن عملك﴾ (2) فيخالف ما ذكر، لان الشرك يستحق به إحباط الأعمال، وليس يستحق بالتأخير عن البيعة القتل.
فاما ادعاء صاحب الكتاب ان الجماعة دخلوا في الشورى على سبيل الرضا، وان عبد الرحمن اخذ عليهم العهد ان يرضوا بما يفعله، فمن قرأ قصة الشورى على وجهها، وعدل عما تسوله النفس من بناء الاخبار على المذاهب، علم أن الامر بخلاف ما ذكر.
وقد روى الطبري في تاريخه عن أشياخه من طرق مختلفة، ان أمير المؤمنين عليه السلام قال حين خرج من عند عمر بعد خطابه للجماعة بما تقدم ذكره لقوم كانوا معه من بني هاشم: إن طمع فيكم قومكم لم تؤمروا ابدا. وتلقاه العباس بن عبد المطلب

(١) من الشافي.
(٢) سورة الزمر ٦٥
(٢٦١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 256 257 258 259 260 261 262 263 264 265 266 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 223 - من كلام له عليه السلام في شأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه 3
2 نكت من كلام عمر وسيرته وأخلاقه 6
3 خطب عمر الطوال 108
4 عود إلى ذكر سيرته وأخباره 112
5 نبذ من كلام عمر 116
6 أخبار عمر مع عمرو بن معد يكرب 118
7 فصل فيما نقل عن عمر من الكلمات الغريبة 120
8 ذكر الأحاديث الواردة في فضل عمر 177
9 ذكر ما ورد من الخبر عن إسلام عمر 182
10 تاريخ موت والأخبار الواردة بذلك 184
11 فصل في ذكر ما طعن به على عمر والجواب عنه 195
12 الطعن الأول: ما ذكروا عنه من قوله عندما علم بموت الرسول عليه السلام، والجواب عن ذلك 195
13 الطعن الثاني: ما ذكروا من أنه أمر برجم حامل حتى نبهه معاذ، والجواب عن ذلك 202
14 الطعن الثالث: ما ذكروا من خبر المجنونة التي أمر برجمها، والجواب عن ذلك 205
15 الطعن الرابع. ما ذكروه من أنه منع من المغالاة في صدقات النساء، والجواب عن ذلك 208
16 الطعن الخامس: ما ذكروه أنه كان يعطى من بيت المال مالا يجوز، والجواب عن ذلك 210
17 الطعن السادس: ما ذكروه أنه عطل حد الله في المغيرة بن شعبة، والجواب عن ذلك 227
18 الطعن السابع: ما ذكروه أنه كان يتلون في الأحكام، والجواب عن ذلك 246
19 الطعن الثامن: ما ذكروه من قوله في المتعة، والجواب عن ذلك 251
20 الطعن التاسع: ما روى عنه في قصة الشورى، وكونه خرج بها عن الاختيار والنص جميعا، والجواب عن ذلك 256
21 الطعن العاشر: ما ذكروه من قولهم: إنه أبدع في الدين مالا يجوز، والجواب عن ذلك 281