امركم لحمكم على المحجة البيضاء، قالوا: من هو؟ قال: هذا المولى من بينكم، قالوا:
فما يمنعك من ذلك؟ قال: ليس إلى ذلك سبيل.
وفى خبر آخر، رواه البلاذري في تاريخه، أن عمر لما خرج أهل الشورى من عنده، قال: ان ولوها الأجلح (1) سلك بهم الطريق، فقال عبد الله بن عمر: فما يمنعك منه يا أمير المؤمنين؟ قال: أكره ان أتحملها حيا وميتا.
فوصف كما ترى كل واحد من القوم بوصف قبيح يمنع من الإمامة، ثم جعلها في جملتهم، حتى كان تلك الأوصاف تزول في حال الاجتماع ونحن نعلم أن الذي ذكره إن كان مانعا من الإمامة في كل واحد على الانفراد، فهو مانع من الاجتماع، مع أنه وصف عليا عليه السلام بوصف لا يليق به، ولا ادعاه عدو قط، بل هو معروف بضده، من الركانة والبعد عن المزاح والدعابة وهذا معلوم ضرورة لمن سمع اخباره عليه السلام، وكيف يظن به ذلك، وقد روى عن ابن عباس أنه قال: كان أمير المؤمنين علي عليه السلام إذا أتى هبنا ان نبتدئه بالكلام، وهذا لا يكون الا من شدة التزمت والتوقر، وما يخالف الدعابة والفكاهة.
ومما تضمنته قصه الشورى من المطاعن، أنه قال: لا أتحملها حيا وميتا، وهذا إن كان علة عدوله عن النص إلى واحد بعينه، فهو قول متلمس متخلص، لا يفتات على الناس في آرائهم، ثم نقض هذا بان نص على ستة من بين العالم كله، ثم رتب العدد ترتيبا مخصوصا، يؤول إلى أن اختيار عبد الرحمن هو المقدم، وأي شئ يكون من التحمل أكثر (2) من هذا! وأي فرق بين ان يتحملها، بان ينص على واحد بعينه، وبين ان يفعل ما فعله من الحصر والترتيب!