شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ١٢ - الصفحة ٢٦٠
امركم لحمكم على المحجة البيضاء، قالوا: من هو؟ قال: هذا المولى من بينكم، قالوا:
فما يمنعك من ذلك؟ قال: ليس إلى ذلك سبيل.
وفى خبر آخر، رواه البلاذري في تاريخه، أن عمر لما خرج أهل الشورى من عنده، قال: ان ولوها الأجلح (1) سلك بهم الطريق، فقال عبد الله بن عمر: فما يمنعك منه يا أمير المؤمنين؟ قال: أكره ان أتحملها حيا وميتا.
فوصف كما ترى كل واحد من القوم بوصف قبيح يمنع من الإمامة، ثم جعلها في جملتهم، حتى كان تلك الأوصاف تزول في حال الاجتماع ونحن نعلم أن الذي ذكره إن كان مانعا من الإمامة في كل واحد على الانفراد، فهو مانع من الاجتماع، مع أنه وصف عليا عليه السلام بوصف لا يليق به، ولا ادعاه عدو قط، بل هو معروف بضده، من الركانة والبعد عن المزاح والدعابة وهذا معلوم ضرورة لمن سمع اخباره عليه السلام، وكيف يظن به ذلك، وقد روى عن ابن عباس أنه قال: كان أمير المؤمنين علي عليه السلام إذا أتى هبنا ان نبتدئه بالكلام، وهذا لا يكون الا من شدة التزمت والتوقر، وما يخالف الدعابة والفكاهة.
ومما تضمنته قصه الشورى من المطاعن، أنه قال: لا أتحملها حيا وميتا، وهذا إن كان علة عدوله عن النص إلى واحد بعينه، فهو قول متلمس متخلص، لا يفتات على الناس في آرائهم، ثم نقض هذا بان نص على ستة من بين العالم كله، ثم رتب العدد ترتيبا مخصوصا، يؤول إلى أن اختيار عبد الرحمن هو المقدم، وأي شئ يكون من التحمل أكثر (2) من هذا! وأي فرق بين ان يتحملها، بان ينص على واحد بعينه، وبين ان يفعل ما فعله من الحصر والترتيب!

(1) الجلح: ذهاب الشعر من مقدم الرأس.
(2) ب: (أكبر).
(٢٦٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 255 256 257 258 259 260 261 262 263 264 265 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 223 - من كلام له عليه السلام في شأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه 3
2 نكت من كلام عمر وسيرته وأخلاقه 6
3 خطب عمر الطوال 108
4 عود إلى ذكر سيرته وأخباره 112
5 نبذ من كلام عمر 116
6 أخبار عمر مع عمرو بن معد يكرب 118
7 فصل فيما نقل عن عمر من الكلمات الغريبة 120
8 ذكر الأحاديث الواردة في فضل عمر 177
9 ذكر ما ورد من الخبر عن إسلام عمر 182
10 تاريخ موت والأخبار الواردة بذلك 184
11 فصل في ذكر ما طعن به على عمر والجواب عنه 195
12 الطعن الأول: ما ذكروا عنه من قوله عندما علم بموت الرسول عليه السلام، والجواب عن ذلك 195
13 الطعن الثاني: ما ذكروا من أنه أمر برجم حامل حتى نبهه معاذ، والجواب عن ذلك 202
14 الطعن الثالث: ما ذكروا من خبر المجنونة التي أمر برجمها، والجواب عن ذلك 205
15 الطعن الرابع. ما ذكروه من أنه منع من المغالاة في صدقات النساء، والجواب عن ذلك 208
16 الطعن الخامس: ما ذكروه أنه كان يعطى من بيت المال مالا يجوز، والجواب عن ذلك 210
17 الطعن السادس: ما ذكروه أنه عطل حد الله في المغيرة بن شعبة، والجواب عن ذلك 227
18 الطعن السابع: ما ذكروه أنه كان يتلون في الأحكام، والجواب عن ذلك 246
19 الطعن الثامن: ما ذكروه من قوله في المتعة، والجواب عن ذلك 251
20 الطعن التاسع: ما روى عنه في قصة الشورى، وكونه خرج بها عن الاختيار والنص جميعا، والجواب عن ذلك 256
21 الطعن العاشر: ما ذكروه من قولهم: إنه أبدع في الدين مالا يجوز، والجواب عن ذلك 281