وقول قاضى القضاة كيف تحتمل مسألة واحدة سبعين وجها! جوابه أنه لم يقع الامر بموجب ما توهمه بل المراد أن قوما تحاكموا إليه في هذه المسألة مثلا اليوم، فأفتى فيها بفتيا، نحو أن يقول في جد وبنت وأخت: للبنت النصف والباقي بين الجد والأخت للذكر مثل حظ الأنثيين، وهو قول زيد بن ثابت، ثم يتحاكم إليه بعد أيام في هذه المسألة بعينها قد وقعت لقوم آخرين فيقول: للبنت النصف وللجد السدس والباقي للأخت وهو المذهب المحكى عن علي عليه السلام وذلك بأن يتغلب على ظنه ترجيح هذه الفتيا على ما كان أفتى به من قبل ثم تقع هذه المسألة بعينها بعد شهر آخر فيفتي فيها بفتيا أخرى فيقول: للبنت النصف والباقي بين الجد والأخت نصفين وهو مذهب ابن مسعود ثم تقع المسألة بعينها بعد شهر آخر فيقضى فيها بالفتيا الأولى وهي مذهب زيد بأن يعود ظنه مترجحا متغلبا لمذهب زيد ثم تقع المسألة بعينها بعد وقت آخر فيفتي فيها بقول علي عليه السلام وهكذا لا تزال المسألة بعينها تقع وأقواله فيها تختلف وهي ثلاثة لا مزيد عليها إلا أنه لا يزال يفتى فيها فتاوى مختلفة إلى أن توفى فأحصيت فكانت سبعين فتيا.
فما احتجاج قاضى القضاة بقصة أسرى بدر فجيد وأما ما اعترض به المرتضى فليس بجيد لان المسألة من باب الشرع، وهو قتل الأسرى أو تخليتهم بالفداء والقتل وإراقة الدم من أهم المسائل الشرعية وقد علم من الشارع شدة العناية بأمر الدنيا فإن كانت أحكام الشرع لا يجوز أن تتلقى وأن يفتى فيها إلا بطريق معلومة وأن الظن والاجتهاد لا مدخل له في الشرع - كما يذهب إليه - المرتضى فكيف جاز من رسول الله صلى الله عليه وآله أن يشاور في أحكام شرعية من لا طريق له إلى العلم وإنما قصارى أمره الظن والاجتهاد والحسبان! وكيف مدحهما جميعا وقد اختلفا ولا بد أن يكون أحدهما مخطئا!.