شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ١٢ - الصفحة ٢٢٦
فإذا لقيت أفقر إليهما منك فادفعهما إليه، وقال: أظنك ستبطئ أما والله لئن تفرق المسلمون في مشاتيهم قبل أن يقسم هذا فيهم لأفعلن بك وبصاحبك الفاقرة (1).
قال: فارتحلت حتى أتيت إلى سلمة بن قيس فقلت ما بارك الله فيما اختصصتني به أقسم هذا في الناس قبل أن تصيبني وإياك فاقرة فقسمه فيهم. فإن الفص ليباع بخمسة دراهم وبستة وهو خير من عشرين ألفا (1).
وجملة الامر أن عمر لا يجوز أن يطعن فيه بمثل هذا ولا ينسب إلى شره وحب للمال، فان طريقته في التعفف والتقشف وخشونة العيش والزهد أظهر من كل ظاهر وأوضح من كل واضح وحاله في ذلك معلومة وعلى كل تقدير سواء كان يفعل ذلك دينا أو ورعا - كما هو الظاهر من حاله - أو كان يفعل ذلك ناموسا وصناعة ورياء وحيلة - كما تزعم الشيعة - فإنه عظيم لأنه أما أن يكون على غاية الدين والتقى أو يكون أقوى الناس نفسا وأشدهم عزما وكلا الامرين فضيلة.
والذي ذكره المحدثون وأرباب السير أن عمر لما طعن واحتمل في دمه إلى بيته وأوصى بما أوصى قال: لابنه عبد الله انظروا ما على من دين فحسبوه فوجدوه ستمائة وثمانين ألف درهم هكذا ورد في الاخبار أنها كانت ديونا للمسلمين ولم تكن من بيت المال فقال عمر: انظر يا عبد الله فان وفى به مال آل عمر فأده من أموالهم وإلا فسل في بنى عدى بن كعب فإن لم تف به أموالهم فسل في قريش ولا تعدهم إلى غيرهم فهكذا وردت الرواية فلذلك قال قاضى القضاة: فإن صح فالعذر كذا وكذا لأنه لم يثبت عنده صحة اقتراضه هذا المقدار من بيت المال.
وقد روى أن عمر كان له نخل بالحجاز غلته كل سنة أربعون ألفا يخرجها في

(١) الفاقرة: الداهية.
(٢) تاريخ الطبري ١: ٢٧١٣ - 2721 (طب أوروبا) مع اختلاف في الرواية.
(٢٢٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 221 222 223 224 225 226 227 228 229 230 231 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 223 - من كلام له عليه السلام في شأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه 3
2 نكت من كلام عمر وسيرته وأخلاقه 6
3 خطب عمر الطوال 108
4 عود إلى ذكر سيرته وأخباره 112
5 نبذ من كلام عمر 116
6 أخبار عمر مع عمرو بن معد يكرب 118
7 فصل فيما نقل عن عمر من الكلمات الغريبة 120
8 ذكر الأحاديث الواردة في فضل عمر 177
9 ذكر ما ورد من الخبر عن إسلام عمر 182
10 تاريخ موت والأخبار الواردة بذلك 184
11 فصل في ذكر ما طعن به على عمر والجواب عنه 195
12 الطعن الأول: ما ذكروا عنه من قوله عندما علم بموت الرسول عليه السلام، والجواب عن ذلك 195
13 الطعن الثاني: ما ذكروا من أنه أمر برجم حامل حتى نبهه معاذ، والجواب عن ذلك 202
14 الطعن الثالث: ما ذكروا من خبر المجنونة التي أمر برجمها، والجواب عن ذلك 205
15 الطعن الرابع. ما ذكروه من أنه منع من المغالاة في صدقات النساء، والجواب عن ذلك 208
16 الطعن الخامس: ما ذكروه أنه كان يعطى من بيت المال مالا يجوز، والجواب عن ذلك 210
17 الطعن السادس: ما ذكروه أنه عطل حد الله في المغيرة بن شعبة، والجواب عن ذلك 227
18 الطعن السابع: ما ذكروه أنه كان يتلون في الأحكام، والجواب عن ذلك 246
19 الطعن الثامن: ما ذكروه من قوله في المتعة، والجواب عن ذلك 251
20 الطعن التاسع: ما روى عنه في قصة الشورى، وكونه خرج بها عن الاختيار والنص جميعا، والجواب عن ذلك 256
21 الطعن العاشر: ما ذكروه من قولهم: إنه أبدع في الدين مالا يجوز، والجواب عن ذلك 281