فإذا لقيت أفقر إليهما منك فادفعهما إليه، وقال: أظنك ستبطئ أما والله لئن تفرق المسلمون في مشاتيهم قبل أن يقسم هذا فيهم لأفعلن بك وبصاحبك الفاقرة (1).
قال: فارتحلت حتى أتيت إلى سلمة بن قيس فقلت ما بارك الله فيما اختصصتني به أقسم هذا في الناس قبل أن تصيبني وإياك فاقرة فقسمه فيهم. فإن الفص ليباع بخمسة دراهم وبستة وهو خير من عشرين ألفا (1).
وجملة الامر أن عمر لا يجوز أن يطعن فيه بمثل هذا ولا ينسب إلى شره وحب للمال، فان طريقته في التعفف والتقشف وخشونة العيش والزهد أظهر من كل ظاهر وأوضح من كل واضح وحاله في ذلك معلومة وعلى كل تقدير سواء كان يفعل ذلك دينا أو ورعا - كما هو الظاهر من حاله - أو كان يفعل ذلك ناموسا وصناعة ورياء وحيلة - كما تزعم الشيعة - فإنه عظيم لأنه أما أن يكون على غاية الدين والتقى أو يكون أقوى الناس نفسا وأشدهم عزما وكلا الامرين فضيلة.
والذي ذكره المحدثون وأرباب السير أن عمر لما طعن واحتمل في دمه إلى بيته وأوصى بما أوصى قال: لابنه عبد الله انظروا ما على من دين فحسبوه فوجدوه ستمائة وثمانين ألف درهم هكذا ورد في الاخبار أنها كانت ديونا للمسلمين ولم تكن من بيت المال فقال عمر: انظر يا عبد الله فان وفى به مال آل عمر فأده من أموالهم وإلا فسل في بنى عدى بن كعب فإن لم تف به أموالهم فسل في قريش ولا تعدهم إلى غيرهم فهكذا وردت الرواية فلذلك قال قاضى القضاة: فإن صح فالعذر كذا وكذا لأنه لم يثبت عنده صحة اقتراضه هذا المقدار من بيت المال.
وقد روى أن عمر كان له نخل بالحجاز غلته كل سنة أربعون ألفا يخرجها في