فأما قوله عليه السلام (هلا قبل أن تأتيني به!) فلا يشبه كل ما نحن فيه لأنه بين أن ذلك القول يسقط الحد لو تقدم وليس فيه تلقين يوجب إسقاط الحد.
فأما ما حكاه عن أبي على من أن القذف من الثلاثة كان قد تقدم وأنهم لو لم يعيدوا الشهادة لكان يحدهم لا محالة فغير معروف والظاهر المروى خلافه وهو أنه حدهم عند نكول زياد عن الشهادة وأن ذلك كان السبب في إيقاع الحد بهم وتأوله (1) عليه: لقد خفت أن يرميني الله بحجارة من السماء لا يليق بظاهر الكلام لأنه يقتضى التندم والتأسف على تفريط وقع ولم يخاف أن يرمى بالحجارة وهو لم يدرأ الحد عن مستحق له! ولو أراد الردع والتخويف للمغيرة لأتى بكلام يليق بذلك ولا يقتضى إضافة التفريط إلى نفسه وكونه واليا من قبله لا يقتضى أن يدرأ عنه الحد ويعدل به إلى غيره.
وأما قوله: إنا ما كنا نعلم أن زيادا كان يتمم الشهادة، فقد بينا أن ذلك كان معلوما بالظاهر ومن قرأ ما روى في هذه القصة علم بلا شك أن حال زياد كحال الثلاثة في أنه إنما حضر للشهادة، وإنما عدل عنها لكلام عمر.
وقوله: إن الشرع يبيح السكوت، ليس بصحيح لان الشرع قد حظر كتمان الشهادة.
فأما استدلاله على أن زيادا لم يفسق بالإمساك عن الشهادة بتوليه أمير المؤمنين عليه السلام له فارس فليس بشئ يعتمد لأنه لا يمتنع أن يكون قد تاب بعد ذلك وأظهر توبته لأمير المؤمنين عليه السلام فجاز أن يوليه وقد كان بعض أصحابنا يقول في قصة المغيرة شيئا طيبا وإن كان معتملا في باب الحجة كان يقول: إن زيادا إنما امتنع من التصريح بالشهادة المطلوبة في الزنا وقد شهد بأنه شاهده بين شعبها الأربع وسمع نفسا عاليا فقد صح على المغيرة بشهادة الأربع جلوسه منها مجلس الفاحشة إلى غير ذلك