وأكل فما رأيت أحدا أحسن أكلا منه ما يتلبس طعامه بيده ولا فمه ثم قال:
اسقونا فجاءوا بعس من سلت (1) فقال: أعط الرجل فشربت قليلا وإن سويقي الذي معي لأطيب منه ثم أخذه فشربه حتى قرع القدح جبهته ثم قال: الحمد لله الذي أطعمنا فأشبعنا وسقانا فأروانا إنك يا هذا لضعيف الاكل ضعيف الشرب فقلت يا أمير المؤمنين إن لحاجة قال: ما حاجتك؟ قلت: أنا رسول سلمة بن قيس فقال:
مرحبا بسلمة ورسوله فكأنما خرجت من صلبه حدثني عن المهاجرين كيف هم؟
قلت كما تحب يا أمير المؤمنين من السلامة والظفر والنصر على عدوهم قال: كيف أسعارهم؟ قلت: أرخص أسعار قال: كيف اللحم فيهم فإنه شجرة العرب ولا تصلح العرب إلا على شجرتها؟ قلت: البقرة فيهم بكذا، والشاة فيهم بكذا ثم سرنا يا أمير المؤمنين حتى لقينا عدونا من المشركين فدعوناهم إلى الذي أمرت به من الاسلام فأبوا فدعوناهم إلى الخراج فأبوا فقاتلناهم فنصرنا الله عليهم فقتلنا المقاتلة وسبينا الذرية وجمعنا الرثة (2) فرأى سلمة في الرثة حلية فقال للناس: إن هذا لا يبلغ فيكم شيئا أفتطيب أنفسكم أن أبعث به إلى أمير المؤمنين؟ قالوا: نعم ثم استخرجت سفطي ففتحته (3) فلما نظر إلى تلك الفصوص من بين أحمر وأخضر وأصفر وثب وجعل يده في خاصرته يصيح صياحا عاليا ويقول لا أشبع الله إذن بطن عمر! يكررها فظن النساء أنى جئت لأغتاله فجئن إلى الستر فكشفنه فسمعنه يقول لف ما جئت به يا يرفأ جاء عنقه (4) قال: فأنا أصلح سفطي ويرفأ يجأ عنقي. ثم قال: النجاء النجاء!
قلت يا أمير المؤمنين انزع بي فاحملني فقال: يا يرفأ أعطه راحلتين من إبل الصدقة