وقد تسورت وقال: ﴿فإذا دخلتم بيوتا فسلموا﴾ (1) وما سلمت. فقال: هل عندك من خير ان عفوت عنك؟ قال: نعم، والله لا أعود، فقال: اذهب فقد عفوت عنك.
* * * وخطب يوما، فقال: أيها الناس، ما الجزع مما لابد منه! وما الطمع فيما لا يرجى وما الحيلة فيما سيزول! وإنما الشئ من أصله وقد مضت قبلكم الأصول ونحن فروعها، فما بقاء الفرع بعد ذهاب أصله!
إنما الناس في هذه الدنيا أغراض تنتبل فيهم المنايا نصب المصائب، في كل جرعة شرق وفى كل اكلة غصص، لا تنالون نعمة الا بفراق أخرى ولا يستقبل معمر من عمره يوما الا بهدم آخر من أجله، وهم أعوان الحتوف على أنفسهم، فأين المهرب مما هو كائن! ما أصغر المصيبة اليوم، مع عظم الفائدة غدا! وما أعظم خيبة الخائب، وخسران الخاسر، (يوم لا ينفع مال ولا بنون الا من أتى الله بقلب سليم)!
وأكثر الناس روى هذا الكلام لعلى عليه السلام، وقد ذكره صاحب " نهج البلاغة " وشرحناه فيما سبق.
* * * حمل من العراق إلى عمر مال فخرج هو ومولى له; فنظر إلى الإبل فاستكثرها، فجعل يقول: الحمد لله يكررها ويرددها، وجعل مولاه يقول: هذا من فضل الله ورحمته.
ويكررها ويرددها.
فقال عمر: كذبت لا أم لك! أظنك ذهبت إلى أن هذا هو ما عناه سبحانه