بقوله: (قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا)، وإنما ذلك الهدى، اما تسمعه يقول: ﴿هو خير مما يجمعون﴾ (1) وهذا مما يجمعون.
* * * وروى الأحنف بن قيس قال: قدمنا على عمر بفتح عظيم نبشره به، فقال: أين نزلتم؟ قلنا: في مكان كذا، فقام معنا حتى انتهينا إلى مناخ ركابنا وقد أضعفها الكلال وجهدها السير، فقال هلا اتقيتم الله في ركابكم هذه؟ اما علمتم ان لها عليكم حقا! هلا أرحتموها؟ هلا حللتم بها فأكلت من نبات الأرض؟ فقلنا: يا أمير المؤمنين، إنا قدمنا بفتح عظيم، فأحببنا التسرع إليك والى المسلمين بما يسرهم.
فانصرف راجعا ونحن معه فأتى رجل فقال يا أمير المؤمنين ان فلانا ظلمني فاعدني (2) عليه فرفع في السماء درته، وضرب بها رأسه، وقال: تدعون عمر وهو معرض لكم حتى إذا شغل في أمر المسلمين أتيتموه: أعدني أعدني! فانصرف الرجل يتذمر فقال عمر: على بالرجل، فجئ به فألقى إليه المخفقة (3)، فقال: اقتص، قال: بل ادعه لله ولك، قال: ليس كذلك، بل تدعه اما لله وإرادة ما عنده، وإما تدعه لي، قال: أدعه لله، قال: انصرف ثم جاء حتى دخل منزله ونحن معه، فصلى ركعتين خفيفتين ثم جلس فقال: يا بن الخطاب، كنت وضيعا فرفعك الله، وكنت ضالا فهداك الله، وكنت ذليلا فأعزك الله، ثم حملك على رقاب الناس، فجاء رجل يستعديك على من ظلمه.
فضربته، ماذا تقول لربك غدا! فجعل يعاتب نفسه معاتبة ظننت انه من خير أهل الأرض.