انحصت (1) منه شعرة واحدة لأضربنك بمائة ألف سيف. وقد ذكرنا شيئا مما جرى بينهما فيما تقدم.
وأما قول ابن عباس له عليه السلام: وله شهرا واعزله دهرا، وما أشار به المغيرة ابن شعبة، فإنهما قالا ما توهماه، وما غلب على ظنونها وخطر بقلوبهما، وعلي عليه السلام كان أعلم بحاله مع معاوية، وأنها لا تقبل العلاج والتدبير. وكيف يخطر ببال عارف بحال معاوية ونكره ودهائه، وما كان في نفسه من علي عليه السلام من قتل عثمان ومن قبل قتل عثمان، أنه يقبل إقرار علي عليه السلام له على الشام، وينخدع بذلك، ويبايع ويعطى صفقة (2) يمينه! إن معاوية لأدهى من أن يكاد بذلك، وإن عليا عليه السلام لأعرف بمعاوية ممن ظن أنه لو استماله بإقراره لبايع له، ولم يكن عند علي عليه السلام دواء لهذا المرض إلا السيف، لان الحال إليه كانت تؤول لا محالة، فجعل الاخر أولا.
وأنا أذكر في هذا الموضع خبرا رواه الزبير بن بكار في (الموفقيات) ليعلم من يقف عليه، أن معاوية لم يكن لينجذب إلى طاعة علي عليه السلام أبدا، ولا يعطيه البيعة، وأن مضادته له، ومباينته إياه كمضادة السواد للبياض، لا يجتمعان أبدا، وكمباينة السلب للايجاب، فإنها مباينة لا يمكن زوالها أصلا، قال الزبير:
حدثني محمد بن محمد زكريا بن بسطام، قال: حدثني محمد بن يعقوب بن أبي الليث، قال: حدثني أحمد بن محمد بن الفضل بن يحيى المكي، عن أبيه، عن جده الفضل بن يحيى، عن الحسن بن عبد الصمد، عن قيس بن عرفجة، قال: لما حصر عثمان أبرد مروان بن الحكم بخبره بريدين: أحدهما إلى الشام، والاخر إلى اليمن - وبها يومئذ يعلى بن منية - ومع كل واحد منهما كتاب، فيه أن بنى أمية في الناس كالشامة الحمراء،