بالتماس ذلك من علي عليه السلام، وانفرد البرك الصريمي بالتماس ذلك من عمرو بن العاص، وانفرد الاخر - وهو عمرو بن بكر التميمي - بالتماس ذلك من معاوية ، فكان من الاتفاق أو من الامتحان، أن كان علي من بينهم هو المقتول.
وفى قياس مذهبكم أن تزعموا أن سلامة عمرو ومعاوية إنما كانت بحزم منهما وأن قتل علي عليه السلام إنما هو من تضييع منه، فإذ قد تبين لكم أنه من الابتلاء والامتحان في نفسه بخلاف الذي قد شاهدتموه في عدوه، فكل شئ سوى ذلك، فإنما هو تبع للنفس.
هذا آخر كلام أبى عثمان في هذا الموضع، ومن تأمله بعين الانصاف، ولم يتبع الهوى علم صحة جميع ما ذكره، وأن أمير المؤمنين دفع - من اختلاف أصحابه، وسوء طاعتهم له، ولزومه سنن الشريعة، ومنهج العدل، وخروج معاوية وعمرو بن العاص عن قاعدة الشرع في استمالة الناس إليهم بالرغبة والرهبة - إلى ما لم يدفع إليه غيره. فلولا أنه عليه السلام كان عارفا بوجوه السياسة وتدبير أمر السلطان والخلافة، حاذقا في ذلك، لم يجتمع عليه إلا القليل من الناس، وهم أهل الآخرة خاصة، الذين لا ميل لهم إلى الدنيا، فلما وجدناه دبر الامر حين وليه، واجتمع عليه من العساكر والاتباع ما يتجاوز العد والحصر، وقاتل بهم أعداءه الذين حالهم حالهم، فظفر في أكثر حروبه، ووقف الامر بينه وبين معاوية على سواء، وكان هو الأظهر والأقرب إلى الانتصار - علمنا أنه من معرفة تدبير الدول والسلطان بمكان مكين