بالدهاء والنكراء، لا نقول: ما كان أنكر أبا بكر بن أبي قحافة! وما كان أنكر عمر بن الخطاب! ولا يقول أحد عنده شئ من الخير: كان رسول الله صلى الله عليه وآله أدهى العرب والعجم وأنكر قريش وأمكر كنانة، لأن هذه الكلمة إنما وضعت في مديح أصحاب الإرب ومن يتعمق في الرأي في توكيد أمر الدنيا وزبرجها وتشديد أركانها، فأما أصحاب الآخرة الذين يرون الناس لا يصلحون على تدبير البشر، وإنما يصلحون على تدبير خالق البشر، فإن هؤلاء لا يمدحون بالدهاء والنكراء، ولم يمنعوا هذا إلا ليعطوا أفضل منه. ألا ترى أن المغيرة بن شعبة - وكان أحد الدهاة - حين رد على عمرو بن العاص قوله في عمر بن الخطاب - وعمرو بن العاص أحد الدهاة أيضا: أأنت كنت تفعل، أو توهم عمر شيئا فيلقنه عنك! ما رأيت عمر مستخليا بأحد إلا رحمته كائنا من كان ذلك الرجل، كان عمر والله أعقل من أن يخدع، وأفضل من أن يخدع.
ولم يذكره بالدهاء والنكراء، هذا مع عجبه بإضافة الناس ذلك إليه، ولكنه قد علم أنه إذا أطلق على الأئمة الألفاظ التي لا تصلح في أهل الطهارة، كان ذلك غير مقبول منه، فهذا هذا.
وكذلك كان حكم قول معاوية للجميع: أخرجوا إلينا قتلة عثمان، ونحن لكم سلم. فاجهد كل جهدك، واستعن بمن شايعك إلى أن تتخلص إلى صواب رأى في ذلك الوقت أضله على، حتى تعلم أن معاوية خادع، وأن عليا عليه السلام كان المخدوع.
فإن قلت: فقد بلغ ما أراد، ونال ما أحب، فهل رأيت كتابنا وضع إلا على أن عليا كان قد امتحن في أصحابه وفى دهره، بما لم يمتحن إمام قبله من الاختلاف والمنازعة، والتشاح من الرياسة والتسرع والعجلة،! وهل أتى عليه السلام إلا من هذا المكان! أو لسنا قد فرغنا من هذا الامر، وقد علمنا أن ثلاثة نفر تواطئوا على قتل ثلاثة نفر، فانفرد ابن ملجم