وأي قتلة قتل! نحر كما ينحر البعير الكبير عند اليأس من أن ينوء بالحمل، بعد أن نقبت صفحته بطي المراحل وسير الهجير، وإني معلمك من خبره غير مقصر ولا مطيل:
إن القوم استطالوا مدته، واستقلوا ناصره، واستضعفوه في بدنه، وأملوا بقتله بسط أيديهم فيما كان قبضة عنهم، واعصوصبوا (1) عليه، فظل محاصرا، قد منع من صلاة الجماعة، ورد المظالم، والنظر في أمور الرعية، حتى كأنه هو فاعل لما فعلوه. فلما دام ذلك أشرف عليهم، فخوفهم الله وناشدهم، وذكرهم مواعيد رسول الله صلى الله عليه وسلم له، وقوله فيه، فلم يجحدوا فضله، ولم ينكروه، ثم رموه بأباطيل اختلقوها ليجعلوا ذلك ذريعة إلى قتله، فوعدهم التوبة مما كرهوا، ووعدهم الرجعة إلى ما أحبوا. فلم يقبلوا ذلك، ونهبوا داره، وانتهكوا حرمته، ووثبوا عليه، فسفكوا دمه، وانقشعوا عنه انقشاع سحابة قد أفرغت ماءها، منكفئين قبل ابن أبي طالب، انكفاء الجراد إذ أبصر المرعى.
فأخلق ببني أمية أن يكونوا من هذا الامر بمجرى العيوق إن لم يثأره ثائر! فإن شئت أبا عبد الرحمن أن تكونه فكنه. والسلام.
فلما ورد الكتاب على معاوية، أمر بجمع الناس، ثم خطبهم خطبة أبكى منها العيون، وقلقل القلوب، حتى علت الرنة، وارتفع الضجيج، وهم النساء أن يتسلحن، ثم كتب إلى طلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، وسعيد بن العاص، وعبد الله بن عامر بن كريز، والوليد بن عقبة، ويعلى بن منية - وهو اسم أمه - وإنما اسم أبيه أمية.
فكان كتاب طلحة: أما بعد، فإنك أقل قريش في قريش وترا، مع صباحة وجهك وسماحة كفك، وفصاحة لسانك. فأنت بإزاء من تقدمك في السابقة، وخامس المبشرين بالجنة، ولك يوم أحد وشرفه وفضله، فسارع رحمك الله إلى ما تقلدك الرعية من أمرها مما لا يسعك التخلف عنه، ولا يرضى الله منك إلا بالقيام به، فقد أحكمت لك الامر