الكتب في عساكرهم بالسعايات، وتوهيم الأمور، وإيحاش بعض من بعض، وقتلهم بكل آله وحيلة، كيف وقع القتل، وكيف دارت بهم الحال! فمن اقتصر - حفظك الله - من التدبير على ما في الكتاب والسنة كان قد منع نفسه الطويل العريض من التدبير، وما لا يتناهى من المكايد والكذب - حفظك الله - أكثر من الصدق، والحرام أكثر عددا من الحلال، ولو سمى إنسان إنسانا باسمه لكان قد صدق، وليس له اسم غيره، ولو قال: هو شيطان أو كلب أو حمار أو شاة أو بعير أو كل ما خطر على البال، لكان كاذبا في ذلك، وكذلك الايمان والكفر، وكذلك الطاعة والمعصية، وكذلك الحق والباطل، وكذلك السقم والصحة، وكذلك الخطأ والصواب، فعلي عليه السلام كان ملجما بالورع عن جميع القول إلا ما هو لله عز وجل رضا، وممنوع اليدين من من كل بطش إلا ما هو لله رضا، ولا يرى الرضا إلا فيما يرضاه الله ويحبه، ولا يرى الرضا إلا فيما دل عليه الكتاب والسنة، دون ما يعول عليه أصحاب الدهاء والنكراء (1) والمكايد والآراء، فلما أبصرت العوام كثرة نوادر معاوية في المكايد، وكثرة غرائبه في الخداع، وما اتفق له وتهيأ على يده، ولم يرو ذلك من علي عليه السلام، ظنوا بقصر عقولهم، وقلة علومهم، أن ذلك من رجحان عند معاوية ونقصان عند علي عليه السلام، فانظر بعد هذا كله، هل يعد له من الخدع إلا رفع المصاحف! ثم انظر هل خدع بها إلا من عصى رأى علي عليه السلام وخالف أمره.!
فإن زعمت أنه قال ما أراد من الاختلاف فقد صدقت، وليس في هذا اختلفنا، ولا عن غرارة أصحاب علي عليه السلام وعجلتهم وتسرعهم وتنازعهم دفعنا، وإنما كان قولنا في التميز بينهما في الدهاء والنكراء وصحة العقل والرأي والبزلاء (2)، على أنا لا نصف الصالحين