علي عليه السلام يومئذ: ألا رجل يشرى نفسه لله ويبيع دنياه بآخرته! فأتاه رجل من جعف، يقال له عبد العزيز بن الحارث على فرس أدهم، كأنه غراب مقنع في الحديد، لا يرى منه إلا عيناه، فقال: يا أمير المؤمنين، مرني بأمرك، فوالله لا تأمرني بشئ إلا صنعته، فقال علي عليه السلام:
سمحت بأمر لا يطاق حفيظة * وصدقا وإخوان الوفاء قليل جزاك إله الناس خيرا فإنه * لعمرك فضل ما هناك جزيل (1) يا أبا الحارث، شد الله ركنك، احمل على أهل الشام، حتى تأتى أصحابك فتقول لهم: إن أمير المؤمنين يقرأ عليكم السلام، ويقول لكم: هللوا وكبروا من ناحيتكم، ونهلل نحن ونكبر من هاهنا، واحملوا من جانبكم، ونحمل نحن من جانبنا على أهل الشام. فضرب الجعفي فرسه، حتى إذا أقامه على أطراف سنابكه، حمل على أهل الشام المحيطين بأصحاب علي عليه السلام فطاعنهم ساعة، وقاتلهم. فأفرجوا له حتى خلص إلى أصحابه، فلما رأوه استبشروا به، وفرحوا، وقالوا: ما فعل أمير المؤمنين؟ قال: صالح، يقرئكم السلام ويقول لكم: هللوا وكبروا واحملوا حملة شديدة من جانبكم، ونهلل نحن ونكبر ونحمل من جانبنا. ففعلوا ما أمرهم به، وهللوا وكبروا، وهلل علي عليه السلام وكبر هو وأصحابه، وحمل على أهل الشام وحملوا هم من وسط أهل الشام، فانفرج القوم عنهم وخرجوا، وما أصيب منهم رجل واحد ولقد قتل من فرسان الشام يومئذ زهاء سبعمائة إنسان.
قال علي عليه السلام: من أعظم الناس اليوم غناء؟ فقالوا: أنت يا أمير المؤمنين، فقال: كلا، ولكنه الجعفي.