[أبو حمزة الشاري] قال أبو الفرج: ولما سار عبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك إلى الشام، وخلف المدينة لبلج، أقبل أبو حمزة من مكة حتى دخلها، فرقى المنبر، فحمد الله وقال: يا أهل المدينة، سألناكم عن ولاتكم هؤلاء، فأسأتم لعمري والله القول فيهم، وسألناكم هل يقتلون بالظن؟
فقلتم: نعم، وسألناكم: هل يستحلون المال الحرام والفرج الحرام؟ فقلتم: نعم، فقلنا لكم:
تعالوا نحن وأنتم، فانشدوا الله وحده أن يتنحوا عنا وعنكم ليختار المسلمون لأنفسهم، فقلتم: لا نفعل، فقلنا لكم: تعالوا نحن وأنتم نلقاهم، فإن نظهر نحن وأنتم (1) يأت من يقيم لنا كتاب الله وسنة نبيه، ويعدل في أحكامكم، ويحملكم على سنة نبيكم، فأبيتم وقاتلتمونا، فقاتلناكم وقتلناكم، فأبعدكم الله وأسحقكم يا أهل المدينة! مررت بكم في زمن الأحول هشام بن عبد الملك، وقد أصابتكم عاهة في ثماركم، فركبتم إليه تسألونه أن يضع خراجكم عنكم، فكتب بوضعه عن قوم من ذوي اليسار منكم، فزاد الغنى غنى، والفقير فقرا (2). وقلتم: جزاه الله خيرا، فلا جزاه خيرا ولا جزاكم!.
قال أبو الفرج: فأما خطبتا أبى حمزة المشهورتان اللتان خطب بهما في المدينة، فإن أحداهما قوله:
تعلمون يا أهل المدينة، أنا لم نخرج من ديارنا وأموالنا أشرا ولا بطرا، ولا عبثا ولا لهوا، ولا لدولة ملك نريد أن نخوض فيه، ولا لثأر قديم نيل منا، ولكنا لما رأينا مصابيح الحق قد أطفئت، ومعالم العدل قد عطلت، وعنف القائم بالحق، وقتل القائم بالقسط، ضاقت علينا الأرض بما رحبت، وسمعنا داعيا (3) يدعو إلى طاعة الرحمن، وحكم القرآن، فأجبنا داعي الله، (ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الأرض)