قلت: هذا حريث بن جابر، هو الذي كتب معاوية إلى زياد في أمره بعد عام الجماعة - وحريث عامل لزياد على همدان - أما بعد، فأعزل حريث بن جابر عن عمله، فما ذكرت مواقفه بصفين إلا كانت حزازة في صدري. فكتب إليه زياد: خفض عليك يا أمير المؤمنين، فإن حريثا قد بلغ من الشرف مبلغا لا تزيده الولاية، ولا ينقصه العزل.
قال نصر: فاضطرب الناس يومئذ بالسيوف حتى تقطعت وتكسرت، وصارت كالمناجل، وتطاعنوا بالرماح حتى تقصفت (1) وتناثرت أسنتها ثم جثوا على الركب فتحاثوا بالتراب، يحثو بعضهم التراب في وجه بعض، ثم تعانقوا وتكادموا بالأفواه، ثم تراموا بالصخر والحجارة ثم تحاجزوا، فكان الرجل من أهل العراق يمر على أهل الشام، فيقول: كيف آخذ إلى رايات بنى فلان؟ فيقولون: هاهنا لا هداك الله، ويمر الرجل من أهل الشام على أهل العراق، فيقول: كيف آخذ إلى راية بنى فلان؟ فيقولون: هاهنا لا حفظك الله ولا عافاك (2).
قال نصر: وقال معاوية لعمرو بن العاص: أما ترى يا أبا عبد الله إلى ما قد دفعنا، كيف ترى أهل العراق غدا صانعين! إنا لبمعرض خطر عظيم. فقال له: إن أصبحت غدا ربيعة وهم متعطفون حول علي عليه السلام تعطف الإبل حول فحلها، لقيت منهم جلادا صادقا، وبأسا شديدا، وكانت التي لا يتعزى (3) لها. فقال معاوية: أيجوز أنك تخوفنا يا أبا عبد الله؟ قال: إنك سألتني فأجبتك. فلما أصبحوا في اليوم العاشر أصبحوا وربيعة محدقة بعلي عليه السلام إحداق بياض العين بسوادها (4).