أرسل إلى الأشعث بن قيس رسولا، يسأله أن يسلم إليه جثة أبيه، فقال الأشعث: إني أخاف أن يتهمني أمير المؤمنين في أمره، فاطلبه من سعيد بن قيس فهو في الميمنة، فذهب إلى معاوية فاستأذنه أن يدخل إلى عسكر علي عليه السلام، يطلب أباه بين القتلى، فقال له: إن عليا قد منع أن يدخل أحد منا إلى معسكره، يخاف أن يفسد عليه جنده، فخرج ابن ذي الكلاع، فأرسل إلى سعيد بن قيس الهمداني يستأذنه في ذلك فقال سعيد: إنا لا نمنعك من دخول العسكر، إن أمير المؤمنين لا يبالي من دخل منكم إلى معسكره، فادخل، فدخل من قبل الميمنة، فطاف فلم يجده، ثم أتى الميسرة فطاف فلم يجده، ثم وجده وقد ربطت رجله بطنب من أطناب بعض فساطيط العسكر، فجاء فوقف على باب الفسطاط، فقال: السلام عليكم يا أهل البيت، فقيل له: وعليك السلام، فقال:
أتأذنون لنا في طنب من أطناب فسطاطكم؟ ومعه عبد أسود لم يكن معه غيره. فقالوا: قد أذنا لكم، وقالوا له: معذرة إلى الله وإليكم، أما إنه لولا بغيه علينا (1) ما صنعنا به ما ترون، فنزل ابنه إليه، فوجده قد انتفخ - وكان من أعظم الناس خلقا - فلم يطق احتماله، فقال: هل من فتى معوان؟ فخرج إليه خندف البكري، فقال: تنحوا عنه، فقال ابنه: ومن الذي يحمله إذا تنحينا عنه؟ قال: يحمله قاتله. فاحتمله خندف حتى رمى به على ظهر بغل، ثم شده بالحبال، فانطلقا (2) به.
قال نصر: وقال معاوية لما قتل ذو الكلاع: لأنا أشد فرحا بقتل ذي الكلاع منى بفتح مصر لو فتحتها. قال: لان ذا الكلاع كان يحجر على معاوية في أشياء كان يأمر بها.
قال نصر: فلما قتل ذو الكلاع، اشتدت الحرب وشدت عك ولخم وجذام، والأشعريون من أهل الشام على مذحج من أهل العراق، جعلهم معاوية بإزائهم، ونادى منادى عك: