علي عليه السلام ذلك اليوم راية ربيعة، وقال: باسم الله سر يا حضين، واعلم أنه لا تخفق على رأسك راية مثلها أبدا، هذه راية رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فجاء أبو عرفاء جبلة بن عطية الذهلي إلى الحضين، وقال: هل لك أن تعطيني الراية أحملها لك، فيكون لك ذكرها، ويكون لي أجرها! فقال الحضين: وما غناي يا عم عن أجرها مع ذكرها؟
قال: إنه لا غنى بك عن ذلك، ولكن أعرها عمك ساعة، فما أسرع ما ترجع إليك! قال الحضين: فقلت: إنه قد استقتل، وإنه يريد أن يموت مجاهدا، فقلت له: خذها، فأخذها ثم قال لأصحابه: إن عمل الجنة كره كله وثقيل، وإن عمل النار خف كله وخبيث، إن الجنة لا يدخلها إلا الصابرون الذين صبروا أنفسهم على فرائض الله وأمره، وليس شئ مما افترض الله على العباد أشد من الجهاد، هو أفضل الأعمال ثوابا عند الله، فإذا رأيتموني قد شددت فشدوا، ويحكم! أما تشتاقون إلى الجنة! أما تحبون أن يغفر الله لكم! فشد وشدوا معه، فقاتلوا قتالا شديدا، فقتل أبو عرفاء رحمه الله تعالى، وشدت ربيعة بعده شدة عظيمة على صفوف أهل الشام، فنقضتها. وقال مجزأة بن ثور:
أضربهم ولا أرى معاوية * الأبرج العين العظيم الحاويه (1) هوت به في النار أم هاويه * جاوره فيها كلاب عاويه أغوى طغاما لا هدته هاديه قال نصر: وكان حريث بن جابر يومئذ نازلا بين الصفين في قبة له حمراء، يسقى أهل العراق اللبن والماء والسويق، ويطعمهم اللحم والثريد، فمن شاء أكل، ومن شاء شرب، ففي ذلك يقول شاعرهم:
فلو كان بالدهنا حريث بن جابر * لأصبح بحرا بالمفازة جاريا