فاقتتلوا قتالا شديدا. ثم انصرف أبو الطفيل إلى علي عليه السلام، فقال: يا أمير المؤمنين، إنك أنبأتنا أن أشرف القتل الشهادة، وأحظى الامر الصبر، وقد والله صبرنا حتى أصبنا، فقتيلنا شهيد، وحينا سعيد (1)، فليطلب من بقي ثأر من مضى، فإنا وإن كنا قد ذهب صفونا، وبقى كدرنا، فإن لنا دينا لا يميل به الهوى، ويقينا لا تزحمه الشبهة.
فأثنى علي عليه السلام عليه خيرا.
ثم غدا في اليوم الثاني عمير بن عطارد بجماعة من بنى تميم، وهو يومئذ سيد مضر الكوفة، فقال: يا قوم، إني أتبع آثار أبى الطفيل، فاتبعوا آثار كنانة، ثم قدم رايته وارتجز فقال:
قد ضاربت في حربها تميم * إن تميما خطبها عظيم (2) لها حديث ولها قديم * إن الكريم نسله كريم دين قويم وهوى سليم * إن لم تردهم رايتي فلوموا (3) ثم طعن برايته حتى خضبها، وقاتل أصحابه قتالا شديدا، حتى أمسوا، وانصرف عمير إلى علي عليه السلام، وعليه سلاحه، فقال: يا أمير المؤمنين، قد كان ظني بالناس حسنا، وقد رأيت منهم فوق ظني بهم، قاتلوا من كل جهة وبلغوا من عفوهم جهد عدوهم، وهم لهم إن شاء الله.
ثم غدا في اليوم الثالث قبيصة بن جابر الأسدي في بنى أسد، وقال لأصحابه:
يا بنى أسد، أما أنا فلا أقصر دون صاحبي، وأما أنتم فذاك إليكم ثم تقدم برايته وقال:
قد حافظت في حربها بنو أسد * ما مثلها تحت العجاج من أحد