فقالوا: خذ بنا حيث أحببت، فصمد بهم نحو عظمهم واستقبله أشباههم من همدان، وهم نحو ثمانمائة مقاتل قد انهزموا آخر الناس، وكانوا قد صبروا في ميمنة علي عليه السلام، حتى قتل منهم مائة وثمانون رجلا، وأصيب منهم أحد عشر رئيسا، كلما قتل منهم رئيس أخذ الراية آخر، وهم بنو شريح الهمدانيون وغيرهم من رؤساء العشيرة، فأول من أصيب منهم كريب بن شريح، وشرحبيل بن شريح، ومرثد بن شريح، وهبيرة بن شريح، وهريم (1) بن شريح، وشهر بن شريح، وشمر بن شريح، قتل هؤلاء الاخوة الستة في وقت واحد.
ثم أخذ الراية سفيان بن زيد، ثم كرب بن زيد، ثم عبد بن زيد، فقتل هؤلاء الاخوة الثلاثة أيضا، ثم أخذ الراية عمير بن بشر، ثم أخوه الحارث بن بشر، فقتلا جميعا، ثم أخذ الراية أبو القلوص وهب بن كريب، فقال له رجل من قومه: انصرف يرحمك الله بهذه الراية، ترحها الله فقد قتل! الناس حولها، فلا تقتل نفسك، ولا من بقي معك. فانصرفوا وهم يقولون: ليت لنا عديدا من العرب يحالفوننا على الموت، ثم نستقدم نحن وهم فلا ننصرف حتى نظفر أو نقتل، فمروا بالأشتر وهم يقولون هذا القول، فقال لهم الأشتر: أنا أحالفكم وأعاقدكم على ألا نرجع أبدا، حتى نظفر أو نهلك، فوقفوا معه على هذه النية والعزيمة، فهذا معنى قول كعب بن جعيل:
* وهمدان زرق تبتغى من تحالف * قال: وزحف الأشتر نحو الميمنة، وثاب إليه أناس تراجعوا من أهل الصبر (2) والوفاء