(الأشتر) أعرف في الناس من (مالك بن الحارث)، فجعل ينادى: ألا أيها الناس، فأنا الأشتر، فانقلب نحوه طائفة، وذهبت عنه طائفة، فقال: عضضتم بهن أبيكم! ما أقبح والله ما فعلتم (1) اليوم! أيها الناس، غضوا الابصار، وعضوا على النواجذ، واستقبلوا القوم بهامكم وشدوا عليهم شدة قوم موتورين بآبائهم وأبنائهم وإخوانهم، حنقا على عدوهم.
قد وطنوا على الموت أنفسهم كي لا يسبقوا بثأر. إن هؤلاء القوم والله لن يقاتلوكم إلا عن دينكم، ليطفئوا السنة، ويحيوا البدعة، ويدخلوكم في أمر (2) قد أخرجكم الله منه بحسن البصيرة فطيبوا عباد الله نفسا بدمائكم دون دينكم، فإن الفرار فيه سلب العز والغلبة على الفئ، وذل المحيا والممات، وعار الدنيا والآخرة، وسخط الله وأليم عقابه.
ثم قال: أيها الناس، أخلصوا إلى مذحجا، فاجتمعت (3) إليه مذحج فقال لهم:
عضضتم بصم الجندل! ولله ما أرضيتم اليوم ربكم، ولا نصحتم له في عدوه، وكيف ذلك وأنتم أبناء الحرب، وأصحاب الغارات، وفتيان الصباح، وفرسان الطراد، وحتوف الاقران ومذحج الطعان، الذين لم يكونوا سبقوا بثأرهم، ولم تطل دماؤهم، ولم يعرفوا في موطن من المواطن بخسف! وأنتم (4) سادة مصركم، وأعز حي في قومكم، وما تفعلوا في هذا اليوم فهو مأثور بعد اليوم، فاتقوا مأثور الحديث في غد، واصدقوا عدوكم اللقاء، فإن الله مع الصابرين، والذي نفس مالك بيده ما من هؤلاء - وأشار بيده إلى أهل الشام - رجل على مثل جناح البعوضة من دين الله، لله أنتم! ما أحسنتم اليوم القراع، احبسوا سواد وجهي يرجع فيه دمى، عليكم هذا السواد الأعظم، فإن الله لو قد فضه تبعه من بجانبيه كما يتبع السيل مقدمة.