شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ٥ - الصفحة ٢٠٠
(الأشتر) أعرف في الناس من (مالك بن الحارث)، فجعل ينادى: ألا أيها الناس، فأنا الأشتر، فانقلب نحوه طائفة، وذهبت عنه طائفة، فقال: عضضتم بهن أبيكم! ما أقبح والله ما فعلتم (1) اليوم! أيها الناس، غضوا الابصار، وعضوا على النواجذ، واستقبلوا القوم بهامكم وشدوا عليهم شدة قوم موتورين بآبائهم وأبنائهم وإخوانهم، حنقا على عدوهم.
قد وطنوا على الموت أنفسهم كي لا يسبقوا بثأر. إن هؤلاء القوم والله لن يقاتلوكم إلا عن دينكم، ليطفئوا السنة، ويحيوا البدعة، ويدخلوكم في أمر (2) قد أخرجكم الله منه بحسن البصيرة فطيبوا عباد الله نفسا بدمائكم دون دينكم، فإن الفرار فيه سلب العز والغلبة على الفئ، وذل المحيا والممات، وعار الدنيا والآخرة، وسخط الله وأليم عقابه.
ثم قال: أيها الناس، أخلصوا إلى مذحجا، فاجتمعت (3) إليه مذحج فقال لهم:
عضضتم بصم الجندل! ولله ما أرضيتم اليوم ربكم، ولا نصحتم له في عدوه، وكيف ذلك وأنتم أبناء الحرب، وأصحاب الغارات، وفتيان الصباح، وفرسان الطراد، وحتوف الاقران ومذحج الطعان، الذين لم يكونوا سبقوا بثأرهم، ولم تطل دماؤهم، ولم يعرفوا في موطن من المواطن بخسف! وأنتم (4) سادة مصركم، وأعز حي في قومكم، وما تفعلوا في هذا اليوم فهو مأثور بعد اليوم، فاتقوا مأثور الحديث في غد، واصدقوا عدوكم اللقاء، فإن الله مع الصابرين، والذي نفس مالك بيده ما من هؤلاء - وأشار بيده إلى أهل الشام - رجل على مثل جناح البعوضة من دين الله، لله أنتم! ما أحسنتم اليوم القراع، احبسوا سواد وجهي يرجع فيه دمى، عليكم هذا السواد الأعظم، فإن الله لو قد فضه تبعه من بجانبيه كما يتبع السيل مقدمة.

(1) صفين: (ما قاتلتم اليوم)، وفى الطبري: (ما قاتلتم منذ اليوم).
(2) ج: (دين).
(3) الطبري: (فأقبلت إليه مذحج).
(4) صفين: (وأنتم أحد أهل مصركم).
(٢٠٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 195 196 197 198 199 200 201 202 203 204 205 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 58 - من كلام عليه السلام لما عزم على حرب الخوارج وقيل له إن القوم قد عبروا جسر النهروان 3
2 بدء ظهور الغلاة 5
3 طرق الإخبار بالمغيبات 9
4 59 - من كلامه لما قتل الخوارج فقيل له يا أمير المؤمنين هلك القوم بأجمعهم 14
5 الكناية والرموز والتعريض وذكر مثل منها 15
6 الفرق بين الكناية والتعريض 59
7 مقتل الوليد بن طريف الخارجي ورثاء أخته له 73
8 خروج ابن عمرو الخثعمي وأمره مع محمد بن يوسف الطائي 74
9 ذكر جماعة ممن كان يرى رأي الخوارج 76
10 60 - من كلام له عليه السلام في الخوارج 78
11 عود إلى أخبار الخوارج وذكر رجالهم وحروبهم 80
12 مرداس بن حدير 82
13 عمران بن حطان 91
14 المستورد السعدي 97
15 حوثرة الأسدي 98
16 أبو الوازع الراسبي 102
17 عمران بن الحارث الراسبي 103
18 عبد الله بن يحيى والمختار بن عوف 106
19 خطب أبي حمزة الشاري 114
20 أخبار متفرقة عن أحوال معاوية 129
21 61 - من كلام له لما خوف الغيلة 132
22 اختلاف الناس في الآجال 133
23 62 - من كلام له في وصف الدنيا 140
24 63 - من كلام له في الحض على الزهد والاستعداد لما بعد الموت 145
25 عظة للحسن البصري 147
26 من خطب عمر بن عبد العزيز 150
27 من خطب ابن نباتة 151
28 64 من خطبة له في تنزيه الله سبحانه وتقديسه 153
29 اختلاف الأقوال في خلق العالم 157
30 65 - من كلام له كان يقوله لأصحابه في بعض أيام صفين 168
31 من أخبار يوم صفين 175