ثم حمل على صفوف أهل الشام حتى كشفهم، فألحقهم بمضارب معاوية، وذلك بين العصر والمغرب.
قال نصر: وحدثنا عمرو، عن مالك بن أعين، عن زيد بن وهب، أن عليا عليه السلام لما رأى ميمنته قد عادت إلى موقفها ومصافها، وكشفت من بإزائها حتى ضاربوهم في مواقفهم ومراكزهم، أقبل حتى انتهى إليهم، فقال:
إني قد رأيت جولتكم وانحيازكم من صفوفكم، يحوزكم (1) الجفاة الطغاة (2)، وأعراب أهل الشام، وأنتم لهاميم العرب، والسنام الأعظم، وعمار الليل بتلاوة القرآن، وأهل دعوة الحق إذ ضل الخاطئون، فلو لا إقبالكم بعد إدباركم وكركم بعد انحيازكم، وجب عليكم ما وجب على المولى يوم الزحف دبره، وكنتم فيما أرى من الهالكين، ولقد هون على بعض وجدي، وشفى بعض لاعج (3) نفسي، أنى رأيتكم بأخرة، حزتموهم كما حازوكم، وأزلتموهم عن مصافهم كما أزالوكم، تحشونهم (4) بالسيوف، يركب أولهم آخرهم، كالإبل المطرودة الهيم (5)، فالآن فاصبروا، نزلت عليكم السكينة وثبتكم الله باليقين، وليعلم المنهزم أنه يسخط ربه، ويوبق نفسه، وفى الفرار موجدة الله عليه، والذل اللازم له، وفساد العيش، وإن الفار لا يزيد الفرار في عمره، ولا يرضى ربه، فموت الرجل محقا قبل إتيان هذه الخصال، خير من الرضا بالتلبس بها، والاصرار عليها.
قال نصر: وحدثنا عمرو، قال: حدثنا أبو علقمة الخثعمي، أن عبد الله بن حنش الخثعمي، رأس خثعم الشام، أرسل إلى أبى كعب الخثعمي رأس خثعم العراق: إن شئت تواقفنا فلم نقتتل، فإن ظهر صاحبكم كنا معكم، وإن ظهر صاحبنا كنتم معنا، ولا يقتل