بعضنا بعضا، فأبى أبو كعب ذلك. فلما التقت خثعم وخثعم، وزحف الناس بعضهم إلى بعض، قال عبد الله بن حنش لقومه: يا معشر خثعم، إنا قد عرضنا على قومنا من أهل العراق الموادعة، صلة لأرحامها، وحفظا لحقها، فأبوا إلا قتالنا وقد بدأونا بالقطيعة، فكفوا أيديكم عنهم حفظا لحقهم أبدا ما كفوا عنكم، فإن قاتلوكم فقاتلوهم. فخرج رجل من أصحابه فقال: إنهم قد ردوا عليك رأيك، وأقبلوا إليك يقاتلونك، ثم برز، فنادى رجل: يا أهل العراق. فغضب عبد الله بن حنش، قال: اللهم قيض له وهب بن مسعود - يعنى رجلا من خثعم الكوفة، كان شجاعا يعرفونه في الجاهلية، لم يبارزه رجل قط إلا قتله - فخرج إليه وهب بن مسعود فقتله، ثم اضطربوا ساعة، واقتتلوا أشد قتال، فجعل أبو كعب يقول لأصحابه: يا معشر خثعم: خدموا، أي اضربوا موضع الخدمة، وهي الخلخال، يعنى اضربوهم في سوقهم، فناداه عبد الله بن حنش: يا أبا كعب، الكل قومك فأنصف، قال: أي والله وأعظم. واشتد قتالهم، فحمل شمر بن عبد الله الخثعمي، من خثعم الشام على أبى كعب، فطعنه فقتله، ثم انصرف يبكى، ويقول: يرحمك الله أبا كعب! لقد قتلتك في طاعة قوم أنت أمس بي رحما منهم، وأحب إلى منهم نفسا، ولكني والله لا أدرى ما أقول، ولا أرى الشيطان إلا قد فتننا، ولا أرى قريشا إلا وقد لعبت بنا! قال: ووثب كعب بن أبي كعب إلى راية أبيه، فأخذها ففقئت عينه وصرع، ثم أخذها شريح بن مالك الخثعمي، فقاتل القوم تحتها حتى صرع منهم حول رايتهم نحو ثمانين رجلا، وأصيب من خثعم الشام مثلهم، ثم ردها شريح بن مالك بعد ذلك إلى كعب بن أبي كعب (1).
قال نصر: وحدثنا عمرو، قال: حدثنا عبد السلام بن عبد الله بن جابر، أن راية بجيلة في صفين مع أهل العراق كانت في أحمس مع أبي شداد، قيس بن المكشوح بن