قال: فبصر به الحارث بن جمهان الجعفي، والأشتر مقنع في الحديد فلم يعرفه، فدنا منه، وقال له: جزاك الله منذ اليوم عن أمير المؤمنين وعن جماعة المسلمين خيرا. فعرفه الأشتر فقال: يا بن جمهان، أمثلك يتخلف اليوم عن مثل موطني هذا! فتأمله ابن جمهان فعرفه - وكان الأشتر من أعظم الرجال وأطولهم، إلا أن في لحمه خفة قليلة - فقال له: جعلت فداك! لا والله ما علمت مكانك حتى الساعة ولا والله لا أفارقك حتى أموت.
قال نصر: وحدثنا عمرو، عن الحارث بن الصباح، قال: رأى الأشتر يومئذ منقذا وحميرا ابني قيس اليقظيان (1) فقال منقذ لحمير: ما في العرب رجل مثل هذا، إن كان ما أرى من قتاله على نية (2)! فقال له حمير: وهل النية إلا ما ترى! قال: إني أخاف أن يكون يحاول ملكا (3).
قال نصر: وحدثنا عمرو، عن فضيل بن خديج، عن مولى الأشتر قال: لما اجتمع مع الأشتر عظم من كان انهزم من الميمنة، حرضهم، فقال لهم: عضوا (5 على النواجذ من الأضراس، واستقبلوا القوم بهامكم، فإن الفرار من الزحف [فيه] ذهاب العز، والغلبة على الفئ، وذل المحيا والممات، وعار الدنيا والآخرة 5).