شديدة بميسرة معاوية على ميمنة العراق، فكشفها حتى لم يبق مع ابن بديل إلا نحو مائة إنسان من القراء، فاستند بعضهم إلى بعض، يحمون أنفسهم، ولجج ابن بديل في الناس وصمم على قتل معاوية، وجعل يطلب موقفه، ويصمد نحوه، حتى انتهى إليه، ومع معاوية عبد الله بن عامر واقفا، فنادى معاوية في الناس (1): ويلكم! الصخر والحجارة إذا عجزتم عن السلاح. فرضخه الناس بالصخر والحجارة حتى أثخنوه فسقط، فأقبلوا عليه بسيوفهم، فقتلوه.
وجاء معاوية وعبد الله بن عامر حتى وقفا عليه، فأما عبد الله بن عامر فألقى عمامته على وجهه، وترحم عليه، وكان له أخا صديقا من قبل، فقال معاوية: اكشف عن وجهه، فقال: لا والله لا يمثل به وفى روح! فقال معاوية: اكشف عن وجهه فإنا لا نمثل به، قد وهبناه لك. فكشف ابن عامر عن وجهه، فقال معاوية: هذا كبش القوم ورب الكعبة اللهم أظفرني بالأشتر النخعي والأشعث الكندي! والله ما مثل هذا إلا كما قال الشاعر (2):
أخو الحرب إن عضت به الحرب عضها * وإن شمرت عن ساقها الحرب شمرا ويحمى إذا ما الموت كان لقاؤه * قدي الشبر يحمى الانف أن يتأخرا (3) كليث هزبر كان يحمى ذماره * رمته المنايا قصدها فتقطرا (4) ثم قال: إن نساء خزاعة لو قدرت على أن تقاتلني فضلا عن رجالها، لفعلت (5).
قال نصر: فحدثنا عمرو، عن أبي روق، قال: استعلى أهل الشام عند قتل ابن بديل على أهل العراق يومئذ، وانكشف أهل العراق من قبل الميمنة، وأجفلوا إجفالا (6)