قال نصر: وحدثنا عمرو، قال: حدثني رجل من آل الصلت بن خارجة، أن تميما لما ذهبت لتهزم ذلك اليوم، ناداهم مالك بن حرى النهشلي: ضاع الضراب اليوم، والذي أنا له عبد (1) يا بنى تميم، فقالوا: ألا ترى الناس قد انهزموا! فقال: ويحكم! إفرارا واعتذارا!
ثم نادى بالأحساب، فجعل يكررها، فقال له قوم منهم: أتنادي بنداء الجاهلية! إن هذا لا يحل، فقال: الفرار ويلكم أقبح إن لم تقاتلوا على الدين واليقين فقاتلوا على الأحساب. ثم جعل يقاتل ويرتجز، فيقول:
إن تميما أخلفت عنك ابن مر * وقد أراهم وهم الحي الصبر * فإن يفروا أو يخيموا لا أفر (2) * فقتل مالك ذلك اليوم، وقال أخوه نهشل بن حرى التميمي يرثيه:
تطاول هذا الليل ما كاد ينجلي * كليل التمام ما يريد انصراما وبت بذكرى مالك بكآبة * أؤرق من بعد العشاء نياما أبى جزعي في مالك غير ذكره * فلا تعذليني إن جزعت أماما سأبكي أخي ما دام صوت حمامة * يؤرق من وادي البطاح حماما وأبعث أنواحا عليه بسحرة * وتذرف عيناي الدموع سجاما وأدعو سراة الحي تبكي لمالك * وأبعث نوحا يلتدمن قياما يقلن ثوى رب السماحة والحجا * وذو عزة يأبى بها أن يضاما وفارس خيل لا تنازل خيله * إذا اضطرمت نار العدو ضراما وأحيا عن الفحشاء من ذات كلة * يرى ما يهاب الصالحون حراما