من رثى لأبي ذر مما حدث عليه، ومن استفظعه، ومن رجع إلى كتب السيرة عرف ما ذكرناه.
فأما قوله: إن عمر أخرج من المدينة نصر بن حجاج، فيا بعد ما بين الامرين! وما كنا نظن أن أحدا يسوى بين أبي ذر وهو وجه الصحابة وعينهم، ومن أجمع المسلمون على توقيره وتعظيمه، وأن رسول الله صلى الله عليه وآله مدحه من صدق اللهجة بما لم يمدح به أحدا، وبين نصر بن الحجاج الحدث الذي كان خاف عمر من افتتان النساء بشبابه، ولاحظ له في فضل ولا دين! على أن عمر قد ذم بإخراجه نصر بن الحجاج من غير ذنب كان منه، فإذا كان من أخرج نصر بن حجاج مذموما، فكيف من أخرج أبا ذر!
فأما قوله: إن الله تعالى والرسول قد ندبا إلى خفض الجناح، ولين القول للمؤمن والكافر، فهو كما قال، إلا أن هذا أدب كان ينبغي أن يتأدب به عثمان في أبي ذر، ولا يقابله بالتكذيب، وقد قطع رسول الله صلى الله عليه وآله على صدقه، ولا يسمعه مكروه الكلام، فإنما نصح له، وأهدى إليه عيوبه، وعاتبه على ما لو نزع عنه لكان خيرا له في الدنيا والآخرة.
* * * الطعن العاشر:
تعطيله الحد الواجب على عبيد الله بن عمر بن الخطاب، فإنه قتل الهرمزان مسلما فلم يقده به، وقد كان أمير المؤمنين عليه السلام يطلبه لذلك.
قال قاضى القضاة في الجواب عن ذلك: إن شيخنا أبا على رحمه الله تعالى قال: إنه لم يكن للهرمزان ولى يطلب بدمه، والامام ولى من لا ولى له، وللولي أن يعفو كما له أن يقتل، وقد روى أنه سأل المسلمين أن يعفوا عنه، فأجابوا عنه إلى ذلك.