وأمي! غلبتني عيني، فنمت فيه، فقال: كيف تصنع إذا أخرجوك منه؟ فقلت: إذن ألحق بالشام، فإنها أرض مقدسة، وأرض بقية الاسلام، وأرض الجهاد، فقال: فكيف تصنع إذا أخرجت منها؟ فقلت: أرجع إلى المسجد، قال: فكيف تصنع إذا أخرجوك منه؟
قلت: آخذ سيفي فأضرب به، فقال صلى الله عليه وآله: (ألا أدلك على خير من ذلك، أنسق معهم حيث ساقوك، وتسمع وتطيع)، فسمعت وأطعت وأنا أسمع وأطيع، والله ليلقين الله عثمان وهو آثم في جنبي.
وكان يقول بالربذة: ما ترك الحق لي صديقا. وكان يقول: فيها ردني عثمان بعد الهجرة أعرابيا.
والاخبار في هذا الباب أكثر من أن تحصر وأوسع من أن نذكرها. وما يحمل نفسه على ادعاء أن أبا ذر خرج مختارا إلى الربذة إلا مكابر. ولسنا ننكر أن يكون ما أورده صاحب كتاب،، المغني،، من أنه خرج مختارا قد روى، إلا أنه من الشاذ الناذر. وبإزاء هذه الرواية الفذة كل الروايات التي تتضمن خلافها، ومن تصفح الاخبار علم أنها غير متكافئة على ما ظن صاحب،، المغني،، وكيف يجوز خروجه عن اختيار! وإنما أشخص من الشام على الوجه الذي أشخص عليه: من خشونة المركب، وقبح السير به للموجدة عليه. ثم لما قدم منع الناس من كلامه، وأغلظ له في القول، وكل هذا لا يشبه أن يكون خروجه إلى الربذة باختياره. وكيف يظن عاقل أن أبا ذر يختار الربذة منزلا مع جدبها وقحطها وبعدها عن الخيرات، ولم تكن بمنزل مثله!
فأما قوله: إنه أشفق عليه من أن يناله بعض أهل المدينة بمكروه من حيث كان يغلظ لهم القول، فليس بشئ، لأنه لم يكن في أهل المدينة إلا من كان راضيا بقوله، عاتبا بمثل عتبه، إلا أنهم كانوا بين مجاهر بما في نفسه، ومخف ما عنده، وما في أهل المدينة إلا