فلو كان التكليف لأجل ما مضى من النعم لوجب أن يقدر بحسبها. فإن قيل: فعلى ماذا يحمل كلام أمير المؤمنين عليه السلام، وفيه إشارة إلى مذهب البغداديين؟
قيل: إنه عليه السلام لم يصرح بمذهب البغداديين، ولكنه قال: لو عبدتموه بأقصى ما ينتهى الجهد إليه وما وفيتم بشكر أنعمه، وهذا حق غير مختلف فيه، لان نعم البارئ تعالى لا تقوم العباد بشكرها، وإن بالغوا في عبادته والخضوع له والاخلاص في طاعته، ولا يقتضى صدق هذه القضية وصحتها صحة مذهب البغداديين في أن الثواب على الله تعالى غير واجب، لان التكليف إنما كان باعتبار أنه شكر النعمة السالفة.
* * * [ما قيل من الاشعار في ذم الدنيا] فأما ما قاله الناس في ذم الدنيا و غرورها وحوادثها وخطوبها وتنكرها لأهلها، والشكوى منها، والعتاب لها والموعظة بها، وتصرمها وتقلبها، فكثير، من ذلك قول بعضهم:
هي الدنيا تقول بملء فيها * حذار حذار من بطشي وفتكي (1) فلا يغرركم حسن ابتسامي * فقولي مضحك والفعل مبك.
وقال آخر:
تنح عن الدنيا ولا تطلبنها * ولا تخطبن قتالة من تناكح فليس يفي مرجوها بمخوفها، * ومكروهها إما تأملت راجح لقد قال فيها القائلون فأكثروا * وعندي لها وصف لعمرك صالح سلاف، قصاراها ذعاف، ومركب * شهي إذا استلذذته فهو جامح وشخص جميل يعجب الناس حسنه * ولكن له أفعال سوء قبائح