فحينئذ ثبت (1) لهم أنه إنما علم لأنه هذه الذات المخصوصة لا لشئ، أزيد منها، فإذا كان لهم ذلك وجب أن يكون عالما بكل معلوم، لان الامر الذي أوجب كونه عالما بأمر ما، هو ذاته يوجب كونه عالما بغيره من الأمور، لان نسبة ذاته إلى الكل نسبة واحدة.
فأما الجواب عن شبه المخالفين فمذكور في المواضع المختصة بذلك، فليطلب من كتبنا الكلامية.
* * * الفصل الثاني في تفسير قوله عليه السلام: (ودلت عليه أعلام الظهور) فنقول: إن الذي يستدل به على إثبات الصانع يمكن أن يكون من وجهين، وكلاهما يصدق عليه أنه أعلام الظهور، أحدهما الوجود والثاني الموجود.
أما الاستدلال عليه بالوجود نفسه فهي طريقة المدققين من الفلاسفة، فإنهم استدلوا على أن مسمى الوجود مشترك، وأنه زائد على ماهيات الممكنات، وأن وجود البارئ لا يصح أن يكون زائدا على ماهيته، فتكون ماهيته وجودا، ولا يجوز أن تكون ماهيته عارية عن الوجود، فلم يبق إلا أن تكون ماهيته هي الوجود نفسه، وأثبتوا وجوب ذلك الوجود، واستحالة تطرق العدم إليه بوجه ما، فلم يفتقروا في إثبات البارئ إلى تأمل أمر غير نفس الوجود.
وأما الاستدلال عليه بالموجود لا بالوجود نفسه، فهو الاستدلال عليه بأفعاله، وهي طريقة المتكلمين. قالوا: كل ما لم يعلم بالبديهة ولا بالحس، فإنما يعلم بآثاره الصادرة عنه، والبارئ تعالى كذلك، فالطريق إليه ليس إلا أفعاله، فاستدلوا عليه بالعالم، وقالوا تارة: العالم محدث وكل محدث له محدث وقالوا تارة أخرى: العالم ممكن، فله مؤثر.